كنت مراهقاً أيام محاكمات المهداوي في العراق، وأسمعه يقول على الراديو لمتهم: اسمك. عملك. سكناك، وأقول في نفسي أنه سيحكم على المتهم بالإعدام.
كانت أياماً جميلة مع أحلام الشباب والحرية والوحدة، ولم أفكر في وسط العمر أو أرذله، لأنني كنت في أسرة من المعمّرين. جدتي توفيت سنة 1998 عن مئة عام كاملة، كما تدل على ذلك شهادة ولادتها من الدولة العثمانية. وأكثر المسنين في العائلة بلغوا التسعين أو تجاوزوها.
الآن يرحل الأصدقاء والمعارف عنا واحداً بعد الآخر، وأنتظر الانتقال إلى عمر يُقال لي عند بلوغه: بعدك شاب. أقول يا ليت، ثم أتذكر زميلاً في العمل قال لي أنه لا بدّ أسنّ لأن البنات في المكتب يحدثنه عن أمورهن الخاصة. هو قال لي أنه أعدّ عشاء لحماته عند بلوغها الثمانين مع جار أرمل عمره 85 سنة، وهي عادت غاضبة وقالت أنها صفعته على العشاء ثلاث مرات لأنها اعتقدت أنه مات.
قرأت أن أجمل عشر سنوات في عمر المرأة هي بين 28 و30 سنة. وزوجة سألت زوجها: هل أبدو بنت 40 سنة؟ قال: كنت تبدين عندما كان عمرك 40 سنة.
كنت أسمع أن الحياة تبدأ في الأربعين، ثم سمعت أنها تبدأ في الخمسين أو الستين مع تقدم الطبابة. بطريقة أخرى، متوسط العمر عندما الراحة تحتاج إلى وقت أكثر من العمل. وهناك التي بدت حزينة وسألتها صديقتها عن سبب حزنها. ردت: زوجي بدأ يثق بي. هي قالت لصديقتها أن دخل زوجها يكفي لمصروفها الشخصي، ولكن عليه أن يسعى إلى دخل ثانٍ يصرف منه.
كان يعرفها عندما كانا من عمر واحد، والآن أصبح أكبر منها بعشرين سنة، فهي لم تحتفل بعيد ميلادها منذ 20 سنة. وكنت رأيت الممثل أنطوني كوين وأنا وابنتي الصغرى نحضر سباق «فورمولا وان» في موناكو، ثم قرأت له أنه دخل متجر تحف فنية وحاول ثلاثة زبائن شراءه. وقرأت عن رجل أراد الانتحار بتناول مئة حبة أسبرين، غير أنه بعد أن تناول حبتين تحسنت صحته.
عندي نصيحة لعلاج تجاعيد الوجه هي ألا تنظر، أو ينظر، في المرآة إلا بعد إزالة النظارات الطبية. هي كانت اشترت ثياب نوم شفافة، إلا أنه لم يرها. وفي النهاية هو بلغ سن التقاعد ويقل المال إلى النصف، ويزيد الوزن مرتين.
أنتقل الآن إلى أرذل العمر، والدليل عليه ذلك الذي كان أصدقاؤه يسألونه: لماذا لا تتزوج؟ الآن يسألونه: لماذا لم تتزوج؟
عندما يسنّ الرجل يجد أن الأشياء التي كان يتمناها صغيراً لم يعد يهتم بها. والمسن إنسان يتعب من لعب طاولة الزهر، أو هو إنسان يفضّل أن يسمع كلمة «نعم» من مدير البنك وليس من أي حسناء. وسمعت عن رجل بدأ يدخن وهو ولد مراهق، وأقلع عن التدخين عندما بلغ التسعين حتى لا يصبح عادة عنده.
عندما يبلغ الرجل سن اليأس يشكو عادة من أنه من دون أصدقاء ويُسأل كيف؟ ويرد: دفنتهم جميعاً.
وعرفت من المسنين «أبو الياس»، وكان أستاذ مدرسة لم يدرس التاريخ وإنما عاصره ويتذكره.
زوجتي أصغر مني بأكثر من عشر سنوات، لكن زميلات رافقنني في الجامعة وكنا من عمر واحد أصبحن الآن أصغر مني بعشر سنوات، وربما أكثر.
بعض المسنين بلا حياء، فهو فقد قدراته من دون أن يفقد رغباته. أنا أعمل بالقول الكريم: «إذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا». وبما أنني جبان بالولادة فلا معاصي عندي. مع ذلك، أعرف رجالاً يحاول الواحد منهم ارتكاب المعاصي وقد فقد القدرة على المشي.
المصدر : صحيفة الحياة