جهاد الخازن
جلست الى يمين الرئيس محمود عباس للغداء في باريس، ومعنا أركان حربه، أو سِلمه، وكنا نتحدث وأنا أستعيد الكلمات «نحاول مُلكاً أو نموت فنعذرا»، وأتمنى أن يكون حظ أبو مازن أفضل من حظ إمرئ القيس.
الرئيس الفلسطيني سافر أمس إلى موسكو حيث استقبِل بحرارة غابت عن زيارة الإرهابي بنيامين نتانياهو موسكو قبله بيومين. وهو بعد ذلك سينتقل الى نيويورك للمشاركة في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد أن وعَد بأن خطابه هذه السنة سيتضمن «قنبلة».
قلت للرئيس ممازحاً إن حمل المتفجرات داخل قاعة الجمعية العامة ممنوع فمن أين ستأتي «البمبة»؟ هو ابتسم وقال إن خطابه مكتوب إلا أنه لا بد أن يخضع لتعديل أو زيادة أو نقصان بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري قبل موعد خطاب فلسطين. ووعد بأن يسلمني نسخة من النص النهائي قبل إلقائه.
أبو مازن قال إن موقف فرنسا من القضية الفلسطينية جيد جداً، ومرافقون كثيرون توقعوا في حديثي معهم أن تعترف فرنسا بدولة فلسطين. وسرني كثيراً أن رأيت مع الرئيس وزير خارجية فلسطين رياض المالكي، وأيضاً مستشاره مجدي الخالدي، والصديق العزيز نبيل أبو ردينة، والسفير في باريس هائل الفاهوم، والمناضلة المثقفة هالة أبو حصيرة.
سألت الرئيس عباس عن تعامله مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو قال إن رئيس مصر ممتاز أنقذ بلاده من كارثة، والآن يقودها في طريق ازدهار اقتصادي حقيقي بدعم من الدول العربية القادرة. هذا رأيي أيضاً في الرئيس السيسي، وأطالبه بمزيد من الدعم للفلسطينيين، ثم أطالب الدول العربية كلها بدعم خطاب الرئيس عباس للضغط على إدارة أوباما التي تقول شيئاً ثم تنتصر لإسرائيل، حتى أن الفرنسيين مترددون في عرض فكرة «فريق المساندة» لعملية السلام على مجلس الأمن الدولي خشية أن تستعمل الولايات المتحدة الفيتو لإحباطه. الفكرة تشمل إضافة مصر والسعودية إلى الفريق.
أبو مازن قال لي إنه تحدث مع الملك سلمان بن عبدالعزيز ثلاث مرات في الأسابيع الأخيرة، ولقي منه كل دعم وتأييد.
خطاب أبو مازن في الأمم المتحدة يحتاج الى رعاية مصر والسعودية والدول العربية كلها ليكون له تأثير، ودولنا قادرة على أن تقول كلمة الحق لأن الولايات المتحدة تحتاج إليها أكثر كثيراً مما هي بحاجة إلى أميركا. وقد أثبت باراك أوباما بعد ست سنوات ونصف السنة في الحكم أنه عاجز أو لا يريد المغامرة بمواجهة مع أنصار إسرائيل الذين اشتروا أعضاء الكونغرس، خصوصاً الجمهوريين منهم، ويفرضون عليهم سياسة إسرائيلية ضد الفلسطينيين والإنسانية جمعاء.
وجدت أبو مازن عبر عقود من المعرفة والتعامل معه أنه صادق وصريح، ويمكن جداً الوثوق بكلمته لأنه لن يقول شيئاً لقائد عربي وشيئاً آخر لغيره. هو استقال من رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واللجنة عقدت ثلاثة اجتماعات غاب عنها. وهناك اجتماع خلال شهرين ربما يطلع بحلٍ لضخ دم جديد في اللجنة.
كنت أحدث الرئيس عباس وأنا أقول في نفسي: «نحاول مُلكاً أو نموت فنعذرا»، وخرجت إلى الشارع ومررت أمام قصر الإليزيه فوجدت أنه مفتوح للمواطنين الذين التفوا حوله بانتظار الدخول. عندما أقمت في واشنطن كان هناك وقت مخصص لزوّار البيت الأبيض لا أعرف إذا استمر. وابتعدت عن الإليزيه بضعة أمتار، ووجدت أن بناية تابعة لوزارة الداخلية تستقبل الزوار لرؤية معرض فني. متى ينعم الفلسطينيون بمثل هذا؟ في الألفية الرابعة أو الخامسة. رحمتك يا رب.