كسر غير لونديستاد، المدير السابق لأكاديمية نوبل، خلال الشهر الماضي، التقليد الراسخ الذي يقضي بتملق الأعضاء، عندما عّبر عن ندمه العميق على منح باراك أوباما جائزة نوبل عام 2008 .وقال لونديستاد منتحًبا: «لقد كان هذا خطأً كبيًرا».
هل لنا أن نتوقع اعتذاًرا مماثلاً، ربما بعد ثماني سنوات، عن اختيار نجم حقبة الستينات الموسيقي الشهير بوب ديلان لمنحه جائزة نوبل في الآداب خلال العام الحالي؟ قد لا تكون المقارنة في محلها تماًما، فنادًرا ما تكون المقارنات كذلك.
لقدُمِنح أوباما جائزة نوبل عندما لم يفعل شيًئا مميًزا لنشر السلام، أو الترويج لأي شيء، باستثناء نفسه. على الجانب الآخر، قدم ديلان مجموعة من الأعمال، وعدًدا كبيًرا من الأغاني الشهيرة المحبوبة التي ألفها ولحنها. ومع ذلك، قد تكون النظرة إلى عمله ضمن دائرة الأدب مرتبكة ومربكة. ديلان مغٍن، ومؤلف أغان، وينتمي هذا العمل إلى عالم الموسيقى، لا الأدب.
ينبغي تذكر أن هناك سبعة فنون: الرسم، والنحت، والعمارة، والموسيقى، والرقص، والأدب، وبفضل الأخوين لوميير بات هناك فن السينما. خلال السنوات القليلة الماضية، حاول الناس إضافة أنواع أخرى، مثل الكتابات الساخرة، والطباعة بالحفر، والدراما التلفزيونية، وبطبيعة الحال الصحافة.
مع ذلك، ودون النظر إلى العدد الكبير لأنواع الفنون التي تظهر باستمرار، هناك إجماع قديم على أن الشعر هو جوهر كل الفنون باختلاف أشكالها. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يسمي أرسطو، أبو كل الفنون، رسالته عن كل أنواع الآداب باسم «فن الشعر». ولو كان هناك رجٌل مثالٌي، لكان سيعيش الحياة بشكل شعري. كذلك كتب هايدغر: «الشعر هو جوهر كل الفنون، وجوهر الشعر هو تجديد الحقيقة».
من المؤكد أنه حتى أكاديمية نوبل يجب أن تعلم أن بوب ديلان لا ينتمي إلى النوع نفسه الذي ينتمي إليه الشاعر السويدي توماس ترانسترومر الذي حصل على جائزة نوبل عام 2011.
وتحتاج بعض أشكال الفنون، أو الفنون الفرعية، إما إلى نص، أو تسعى لتعميق تأثيرها باستخدام النصوص، حيث تستخدم الأوبرا، ملكة الموسيقى، نصوًصا من أجل رواية قصتها، وتحتاج الأفلام إلى سيناريو، وكذلك ُتستخَدم نصوص مقدسة في بعض الأشكال المعمارية، خصوصا في الأماكن الإسلامية وشبه القارة الهندية. مع ذلك، يعد الأدب فًنا كاملاً مكتفًيا بذاته، ولا يحتاج إلى أي دعم من أي شكل فني آخر. من الممكن بالطبع إلقاء قصيدة بطريقة درامية (بطريقة حماسية)، أو حتى بمصاحبة الموسيقى، لكن حتى من دون ذلك، ستظل مكتملة الأركان.
السؤال هو: هل يمكن النظر إلى أغاني ديلان باعتبارها شعًرا؟ إجابتي هي: لا. ولا يعني ذلك أن عمل ديلان لا قيمة له، ولا يستحق التقدير، بل على العكس؛ إنه واحد من أكثر المغنين وكّتاب الأغاني تميًزا من بين من أعرفهم، ومن يغنون باللغات القليلة التي أتابعها. على سبيل المثال، أغنيتاه «كورينا، كورينا» و«عزيزتي، امنحيني فرصة أخرى»، اللتان أرى أنهما الأقرب إلى الشعر، من تأليف غيره. لا يعد ديلان عبقرًيا مثل شارل تروني، أو جورج براسانس، أو ليو فري، لكنه من المؤكد يقف في صفوف جون لينون، والأخوين غيب، وليونارد كوهين، وألتون جون. وينتمي جميعهم إلى فرع قديم جًدا، وذي قيمة كبيرة، من أفرع الموسيقى، يستخدم الكلمات لرواية قصة أو وصف حالة مزاجية. وهناك وصف لهم في كثير من اللغات، ففي اللغة الفرنسية القديمةُيعرفون باسم «الشعراء المتجولون» الذين تعلموا الفن من العرب في أثناء الحروب الصليبية، ويعزفون العود، وهي آلة وترية تطورت فيما بعد لتصبح الغيتار الأوروبي. ويطلق عليهم العرب اسم «القوال» أو «المغني». أما بالنسبة للفرس، فهم «لوليس»، ويعرفهم الأتراك باسم «العاشق». أما الكلمة التي يوصفون بها في الإنجليزية، فهي «مغني الملاحم»، وفي البورمية «الأرواح المقدسة».
ولطالما اعُتِرف بأنهم ينتمون إلى قبيلة تختلف عن الشعراء. ويندم الشاعر اللاتيني هوراس لعدم قدرته على كتابة أغنية لمحبوبته. ويعّبر أموري، المغني الجوال الفرنسي في القرن الثالث عشر، عن حزنه لعدم كونه شاعًرا حقيقًيا حتى يصف جمال السيدة أديلايد. كذلك هناك كلمات خاصة تصف من يكتبون كلمات ليتم تلحينها، ففي اللغة الفارسية هناك «تارانسارا»، وفي الفرنسية «مؤلف أغاٍن»، وفي الإنجليزية «كاتب أغاٍن». لا ينبغي اعتبار فن كتابة كلمات الأغاني، وكّتاب النصوص الأوبرالية، أقل شأًنا وقدًرا من الشعراء. عندما
كانت فيينا عاصمة العالم الثقافية، كان شخص مثل هوغو فون هوفمانستال يشتهر بالنصوص الأوبرالية التي كان يكتبها، أكثر مما كان يشتهر بأعماله الشعرية. وفي بعض الأحيان، كان الشعراء يشعرون بالغيرة من مؤلفي كلمات الأغاني، ففي عشرينات القرن الماضي، هجا الشاعر الفارسي العظيم إيراج ميرزا، عارف قزويني، صديقه ومنافسه في الوقت ذاته، لأنه كان مجرد «كاتب أغاٍن»، لكنه مع ذلك كان أكثر شعبية منه. مع ذلك، ليست هذه هي المرة الأولى التي يلصق فيه مانحو جائزة نوبل كلمة «أدب» على عمل ينتمي إلى نوع آخر. على سبيل المثال، لقد منحوا جائزة نوبل في الآداب لداريو فو، وهو مؤٍد إيطالي للستاند أب كوميدي، يمكن مقارنته بجورج برنز، وريموند ديفوس، لكن من المؤكد أنه لا يمكن اعتباره كاتًبا أدبًيا.
وُمِنَحت الجائزة عام 2004 إلى إلفريدي يلينيك، وهي مؤلفة كتيبات جيدة من النمسا، لكنها أقرب إلى الصحافة منها إلى الأدب. وخلال العام الماضي،ُمِنَحت سفيتلانا اليكسيفيتش الجائزة، وهي أيًضا صحافية، ولا يمكن اعتبار عملها، رغم تميزه في سياقه، أدًبا.
وعوًضا عن وصف كل شيء بالأدب، قد يكون من الجيد بالنسبة لأكاديمية نوبل أن تقدم جوائز لأنواع أخرى، مثل الستاند أب كوميدي، وكتابة كلمات الأغاني، والصحافة، وتأليف الكتيبات، بل وحتى القصائد الفكاهية. كان يعد خلط المباحث في الفلسفة المسيحية في القرون الوسطى خطأً جسيًما في الحكم على الأمور. أما اليوم، فقد أدى بنا هوسنا بالمساواة إلى الاعتقاد، أو على الأقل الزعم، بأن أي تصنيف قد يعني عدم المساواة والتمييز العنصري. وفي الوقت الذي نحتفي فيه بـ«الاختلاف» و«الآخر»، باعتبارهما من القيم الأساسية الحقيقية، نريد أيًضا من كل «المختلفين» و«الآخرين» أن يتطابقوا جميًعا مع النمط نفسه.
أمن غير الممكن الاحتفاء بصانعي الثقافة، وهم أي شخص يضيف إلى الطبيعة، وتكريمهم ضمن التصنيف الخاص بهم، وبحسب «تميزهم». أليس كافًيا أن يكون بوب ديلان مغنًيا، وكاتَب أغاٍن بارًزا لا يحتاج إلى إعادة تقديمه كشاعر؟
على أي حال، إليكم قصيدة فكاهية غير متقنة بمناسبة عيد ميلاد بوب السادس والسبعين: «أي ما كان ما تخبرك به أكاديمية نوبل، فأنت رجل دو ري مي، لا شاعر كما يقولون
أنت تقترب من ذلك، لكنك لست كذلك».