خيرالله خيرالله
هل ستكون ضربة من باب رفع العتب...أم أن الرئيس باراك أوباما اتّخذ، على غير عادته، قرارا حاسما بالانتهاء من النظام السوري الذي فقد اصلا الركائز الاساسية التي قام عليها؟ هل آن أوان الانتهاء من النظام السوري، أم المطلوب مدّه بشريان حياة يضمن استكمال المهمة التي قام من أجلها أصلا. تتمثّل هذه المهمّة في حماية اسرائيل والمتاجرة بالفلسطينيين وقضيتهم والعمل على تمزيق لبنان وضرب الاسس التي قام عليها الوطن الصغير بالتفاهم التام مع النظام القائم في ايران.
كلّ شيء سيعتمد في النهاية على ما اذا كان الهدف من الابقاء على النظام السوري سنتين ونصف سنة خدم الغرض المطلوب اسرائيليا. والهدف الاسرائيلي الواضح يتمثّل في تفتيت سوريا ومعها المنطقة وذلك استكمالا للزلزال الذي بدأ في العراق نتيجة الاجتياح الاميركي للبلد، وهو اجتياح خرج منه منتصر واحد اسمه ايران.
كلّما طالت الحرب الاهلية في سوريا، زادت فرص الانتهاء من سوريا التي عرفناها. وزادت أيضا احتمالات انتقال العدوى السورية الى المنطقة كلّها. هل هناك أفضل من النظام السوري المتمسك بالسلطة، على الرغم من رفض الشعب له، لتنفيذ هذه المهمّة؟
ليس مطلوبا تحميل اسرائيل مسؤولية ما يجري في سوريا. كلّ ما يمكن قوله أن اسرائيل استفادت مقدار ما أمكن من النظام السوري وبذلت في السنتين الماضيتين كلّ ما تستطيع من أجل منع الادارة الاميركية وحلف الاطلسي من توجيه ضربة له، على غرار الضربة التي استهدفت العراق في العام 2003 أو نظام العقيد معمّر القذافي في السنة 2011.
كان مطلوبا استئساد النظام السوري، الذي حافظ على الهدوء على جبهة الجولان منذ العام 1974، أطول مدّة ممكنة كي ينصرف الى قتل مزيد من السوريين وضرب أسس الكيان الوطني بما يضمن أن لا تقوم له قيامة يوما.
هناك خوف من أن لا تؤدي الضربة الاميركية أو الاطلسية المهمة المطلوبة. وهذا يعني في طبيعة الحال متابعة النظام للحرب التي يشنّها على شعبه بدعم ايراني وروسي، مستخدما كلّ الاسلحة المتوافرة، بما فيها السلاح الكيمياوي!
يفترض في الادارة الاميركية، التي لا تؤمن بخوض حروب طويلة تؤدي الى تورّطها في ارسال جنود الى سوريا أو غير سوريا، الاقتناع بأنّ لا فائدة تذكر من ضربة لا تؤدي الى ازاحة النظام عن صدور السوريين. يخشى من ان تصبّ أي ضربة غير حاسمة في مصلحة نظام لا يريد الاعتراف بأنّه انتهى وأنّ كل ما يستطيع بشّار الاسد التفاوض في شأنه هو العثور على بلد يقبل باستضافته مع بعض المحيطين به. انها الصفقة الوحيدة التي في استطاعة الرئيس السوري التفاوض في شأنها...
أكثر من ذلك، انّ المماطلة في الحسم تعني زيادة حدة الانقسامات الطائفية والمذهبية وتشجيع كلّ المنظمات الارهابية، مثل "القاعدة" علىالتغلغل في المناطق السورية على حساب القوى التي تؤمن بدولة مدنية ديموقراطية. يضاف الى ذلك كلّه أن سوريا المفتتة لا تشكّل تهديدا للسوريين الذين صاروا لاجئين بمئات الآلاف في دول الجوار فحسب، بل تشكّل أيضا تهديدا للمنطقة كلّها، خصوصا للبنان والاردن اللذين يشعران يوميا بأنّ امنهما الوطني بات مهددا.
ما الذي تريده الولايات المتحدة؟ هل تبحث عن المحافظة على نظام ساقط بكلّ المقاييس لم يؤد سوى خدمات لاسرائيل، ام تقتنع أخيرا بأن هناك أملا ما في اعادة الحياة الى سوريا الموحّدة؟
لا شكّ أن الدخول العربي على خط الانتهاء من النظام السوري يمكن ان يلعب دورا حاسما في اقناع واشنطن بأنّ الموضوع السوري لا يتحمّل المزاح ولا يتحمّل تكرار تجربة جيمي كارتر في ايران أو بيل كلينتون في السودان وافغانستان. لقد لعب العرب في الفترة الاخيرة دورا مهمّا في اقناع روسيا بأنّ لا مصلحة لها بدعم نظام منته يشكّل خطرا على شعبه والمنطقة كلّها. فالزيارة التي قام بها الامير بندر بن سلطان مستشار الامن القومي ومدير الاستخبارات السعودية لموسكو قد تساهم في اقناع الرئيس بوتين بأن سقوط النظام السوري ليس نهاية العالم. على العكس من ذلك، ستتحسن العلاقات بين موسكو والعواصم العربية المهمّة متى طويت صفحة نظام لم تكن لديه سياسة عربية غير سياسة الابتزاز والتهديد.
ما يمكن قوله، ان الخيار الاميركي واضح، خصوصا بعدما ادى العرب الغيورون على مصلحتهم الوطنية المطلوب منهم. فقد ذهبت أحدى الدول الخليجية حتى الى قبول استضافة بشّار مع افراد عائلته والحلقة المحيطة به على الرغم من كلّ الجرائم المرتكبة في حق الشعب السوري.
هل تحسم ادارة اوباما أمرها أخيرا وتقرّر أن الاستقرار في الشرق الاوسط يتطلب أوّل ما يتطلب الانتهاء من النظام السوري؟ اذا لم تفعل ذلك، ستساهم مرّة أخرى في تبديد أي أمل في استعادة الشرق الاوسط بعض الاستقرار. ستكون سوريا امتحانا للادارة الاميركية. ستكون دليلا على انها قادرة على التخلّص من العقدة الاسرائيلية. الاهمّ من ذلك كله، ان الامتحان السوري سيكشف مدى جدّية الادارة في المحافظة على أمن دولة مثل لبنان تتعرّض لضغوط شديدة بشكل يومي بسبب الحريق السوري من جهة وبسبب اصرار ايران والنظام السوري على زج اللبنانيين في لعبة انفلات الغرائز المذهبية من جهة أخرى. هل أخطر من هذه اللعبة بالنسبة الى بلد صغير مثل لبنان كلّ مكوناته أقليات، بمن في ذلك الميليشيا المذهبية المسلّحة التي تعتبر نفسها أقوى من الدولة اللبنانية؟