قبل سنة، في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014، استولى الحوثيون، أي “أنصار الله” على صنعاء. بعد سنة ليس أمام الحوثيين سوى البحث عن مخرج من المأزق الذي دخلوا فيه وأدخلوا معهم فيه اليمن وأهل صنعاء.
فرض الحوثيون، قبل سنة، على السلطة الشرعية ممثلة بالرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي توقيع “اتفاق السلم والشراكة” الذي لم يكن سوى غطاء لوضع اليد على العاصمة وعلى كلّ الوزارات والمؤسسات الرسمية، بما في ذلك البنك المركزي.
كان ذلك انقلابا بكلّ معنى الكلمة. لم يخف عبدالملك الحوثي، زعيم “أنصار الله”، ذلك. أكّد الانقلاب في الخطب التي ألقاها في مناسبة ومن دون مناسبة طوال سنة محاولا إخفاء علاقته بإيران أحيانا ومجاهرا بتلك العلاقة في أحيان أخرى.
قال الحوثي صراحة إن هناك شرعية جديدة في اليمن اسمها “الشرعية الثورية”، تسعى إلى محاربة الفساد، وإن ذكرى الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 أخذت مكان ذكرى السادس والعشرين من سبتمبر 1962، حين حلّت الجمهورية مكان النظام الإمامي. لم يكن ينقص الحوثي سوى إعلان نفسه إماما على اليمن!
كان لافتا مسارعة الأمين العام لـ”حزب الله” في لبنان، السيد حسن نصرالله، إلى تأييد “اتفاق السلم والشراكة” الذي حظي للأسف الشديد بمباركة من جمال بنعمر، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، وقتذاك، ومن الرئيس الانتقالي نفسه الذي فوجئ بأن الحوثيين لم يكتفوا كما كان يتوقّع باحتلال مركز القيادة للفرقة الأولى/مدرّع وجامعة الإيمان.
كانت الفرقة الأولى/مدرّع تابعة للواء علي محسن صالح الأحمر الذي انقلب مع الإخوان المسلمين على علي عبدالله صالح في العام 2011. أما جامعة الإيمان فكانت ترمز إلى ما كان يمثّله الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي كان يقود التيار السلفي في اليمن والمنضوي تحت حزب التجمّع اليمني للإصلاح.
على غرار ما فعله “حزب الله” في لبنان لتأكيد أنّه السلطة العليا في البلد، استخدم “أنصار الله” شعار “الشعب والجيش واللجان الشعبية”، الذي لا يشبه سوى الشعار الذي يعاني منه اللبنانيون أشدّ معاناة وهو “الشعب والجيش والمقاومة”.
خلافا لما اعتقده الرئيس الانتقالي الذي فضّل عدم مواجهة “أنصار الله” في عمران، كانت سيطرة الحوثيين على صنعاء خطوة على طريق السعي إلى احتلال كلّ البلد بعد وضع عبدربّه منصور في الإقامة الجبرية وبعد منع إقرار الدستور الجديد الذي وافق عليه مؤتمر الحوار الوطني وبعد فرض تشكيل حكومة جديدة برئاسة شخص لم يعترضوا عليه، في البداية، هو خالد بحاح.
عزّز وجود الحوثيين في صنعاء التعاون الذي كان قائما بينهم وبين علي عبدالله صالح الذي احتفظ بقوة عسكرية كبيرة على الرغم من أن عبدربّه منصور أعاد تشكيل القوات المسلحة بما يحرم الرئيس السابق، نظريا، من أيّ قدرة على التدخل في شؤونها. فعل عبدربّه كلّ شيء من أجل ضرب ما بقي من نفوذ لعلي عبدالله صالح داعما خصمه علي محسن صالح الأحمر الذي هو في الوقت نفسه حليف الإخوان المسلمين.
على غرار ما فعله "حزب الله" في لبنان استخدم "أنصار الله" شعار "الشعب والجيش واللجان الشعبية" الذي لا يشبه سوى الشعار الذي يعاني منه اللبنانيون أشد معاناة وهو "الشعب والجيش والمقاومة"
لعب الحوثيون، الذين تحرّكهم إيران أوراقهم بخبث ليس بعده خبث منذ بدأوا يتقدّمون في اتجاه صنعاء، مرورا بتشتيت اللواء 310 (الموالي للإخوان المسلمين) بقيادة العميد حميد القشيبي في عمران، الذي قضى في ساحة المعركة.
استفاد “أنصار الله” من كلّ التناقضات، خصوصا من العلاقة السيئة التي قامت بين علي عبدالله صالح وعبدربّه منصور. أكثر من ذلك، استفادوا إلى أبعد حدود من القوات الباقية لدى الرئيس السابق وتمكنوا بواسطتها من تجاوز تعز والالتفاف عليها وصولا إلى عدن.
لم يدخل في حسابات الحوثيين، ومن خلفهم إيران، أن هناك حدودا للتذاكي، خصوصا عندما ذهبوا بعيدا في إرسال وفد رسمي إلى إيران لتوقيع اتفاقات معها. شملت الاتفاقات مجالات عدة، وكانت بين دولتين. أحد هذه الاتفاقات كان في مجال تسيير رحلات طيران بين طهران وصنعاء. كان اتفاقا من جانب واحد لمصلحة إيران التي أرادت إقامة جسر جوّي يتكفّل بنقل أسلحة ومعدات إلى اليمن. ترافق ذلك مع مناورات عسكرية، ذات طابع استفزازي، في منطقة يمنية شمالية على الحدود مع المملكة العربية السعودية.
لم يدخل في حسابات الحوثيين، ومن خلفهم إيران، أنّه سيكون هناك ردّ فعل عربي على إعلان المسؤولين في طهران أن صنعاء انضمت إلى بغداد ودمشق وبيروت في السقوط تحت الهيمنة الإيرانية. جاءت “عاصفة الحزم” لتؤكد أنّ هناك تغييرا في العمق طرأ على الموقف الخليجي وذلك بقيادة المملكة العربية السعودية.
قبل سنة، بدأ الزحف الحوثي من صنعاء في اتجاه عدن. بعد سنة، هناك زحف من عدن في اتجاه صنعاء. ليس وجود نائب رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء اليمني في عدن مع عدد من الوزراء سوى دليل على مدى جدية الحملة الهادفة إلى استعادة العاصمة اليمنية.
كان هناك رهان لدى “أنصار الله” وإيران على أن لا أحد يمكن أن يتجرّأ على التحرّك عسكريا في اليمن وأن الغارات لن تستمر سوى لبضعة أيام أو أسابيع في أسوأ الأحوال. كان رأي “أنصار الله” أنّه حتّى لو استمرّت الغارات، فإن الحرب الجويّة لا يمكن أن تحسم الوضع على الأرض. جاءت الحرب البرّية لتغيّر كل المعطيات. من كان يصدّق أن الشرعية ستكون قادرة على استعادة عدن في يوم من الأيّام بدعم من قوات عربية وأنّ محافظة مأرب ذات الموقع الاستراتيجي لن تتمكن من البقاء طويلا تحت سيطرة الحوثيين؟
بعد حرب صيف العام 1994، تغيّرت أمور كثيرة في اليمن. لم يعد الجيش الجنوبي قائما. ترافق ذلك مع تغيير جذري في الشمال، خصوصا أن الحوثيين استطاعوا منذ العام 2000 إقامة نوع جديد من العلاقات مع القبائل اليمنية. سهّل ذلك عليهم طرد آل الأحمر زعماء حاشد من بيوتهم في محافظة عمران تمهيدا للانقضاض على صنعاء.
في كلّ الأحوال، يتبيّن بعد سنة من سيطرة “أنصار الله” على صنعاء أن الحلم الإيراني في اليمن سيبقى حلما وأن النزهة في اتجاه عدن وباب المندب ليست في وارد أن تكون أكثر من نزهة قصيرة مكلفة جدّا.
هناك بكل بساطة معادلة جديدة فرضتها “عاصفة الحزم” بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز، خصوصا بعد الإنزال البرّي في عدن والوجود العسكري في محافظة مأرب وإظهار التحالف العربي الاستعداد لتحمّل عدد كبير من الشهداء في هذه المحافظة.
ستفرض المعطيات الجديدة على “أنصار الله” إعادة النظر في حساباتهم، على الرغم من الاعتقاد السائد لديهم أنّ معركة صنعاء ستكون صعبة، على غرار المعركة المستمرّة في تعز. الثابت إلى الآن أن المشروع الإيراني في اليمن تحوّل إلى انتكاسة تمهيدا لأن ينتهي بهزيمة.
السؤال سيظل في النهاية مرتبطا بحجم الهزيمة الإيرانية؟ هل سيحتفظ الحوثيون بجيب في شمال الشمال اليمني أم لا.. أم أن العد العكسي لنهاية “أنصار الله” بدأ بعدما تلقوا للمرّة الأولى، منذ صيف العام 2004 تاريخ المواجهة الأولى مع الجيش اليمني، ضربة قويّة في عدن؟