طلال سلمان
في الموعد الذي صار عيداً سنوياً لنشر المزيد من نور المعرفة يطل معرض الكتاب العربي والدولي الذي ينظمه النادي الثقافي العربي، في مثل هذه الأيام من شهر كانون الأول لتجديد العهد باستكمال الدور المميز في خدمة الثقافة الذي يتشرف بأدائه.
ولسوف تغص أرجاء المعرض، كما في سابق الأعوام، بزواره الذين يجيئون إليه، زرافات ووحداناً، كباراً لا يزال يهزهم الشوق إلى الفكرة البكر مكتوبة بضوء العين أو إلى القصيدة التي تنساب مع أبياتها الأحلام لتعيدهم إلى شباب الهوى والجمال والأمل المنشود، أما صغارهم فسوف يتقافزون فرحين وهم يستعرضون القصص المصورة التي تكتب رؤاهم وأخيلتهم بلغتهم الأم أو باللغات الحية، إنكليزية وفرنسية وإيطالية وإسبانية إلخ...
ستتراصف كتب الفلسفة وعلم الاجتماع جنباً إلى جنب مع الروايات ومجموعات القصص ودواوين الشعر التي تطفح حنيناً ولوعة أو تتسلق مدارج الفكر لتبلغ منابع التصوف أو ترسم بالنقاط شبق العاشق ولهفة الحبيبة التي تنتظره فلا يأتي لأنه انهمك في تحطيم الأوزان وتشطير القوافي حتى يصير الحب كلمات متقاطعة.
سينتحي الكتّاب المعروفون زوايا إستراتيجية تنداح أمامها المسافة المؤهلة لاستيعاب المعجبين... فإذا كان بينهم وزراء أو البعض من أهل السياسة ممن تأخذهم الشجاعة إلى الكتابة فسوف يتقوقعون في مواقع الوجاهة بقصد أن يثبتوا للناس أنهم ليسوا جهلة بقدر ما يتصورون وإنما يركزون معارفهم على ما يفيد ويغني الأدمغة والأفئدة والأرصدة.
سيتلاقى جمهور الشعر في أمسيات عابقة بعطر الغاويات يتبعهن الذين لا يحبون الشعر إلا مضمخاً بلوعة الهجر، ويعرفون قراءة النقاط أكثر من الكلمات ويترنمون بأوزان النظم وكأنها موسيقى للاحتفالات.
إنه عيد الفرح السنوي تقدمه بيروت للمثقلين بهموم المصير من المواطنين وجيرانهم الأنسباء السوريين وسائر العرب، بل لكل المعنيين بالشأن الثقافي ووجوه الإبداع عموماً، شعراً وبحثاً ورواية وقصة وعلوماً، تاريخاً وجغرافيا، سواء أنتجت باللغة العربية أم تمت ترجمتها أم عرضت بلغتها الأم.
إنه عنوان متوهج لبيروت ـ الأميرة، بيروت الجامعة والمكتبة والصحيفة والكتاب، المنتدى الفكري والمقهى والملهى والفندق وملتقى الأخوة العرب ومقصد الآتين لمعرفة هذه المنطقة بمظاهرها التي تتجاور فيها العصرنة مع الموروث التقليدي.
كذلك فإن هذا المعرض يشكّل دار لقاء بين دور النشر في لبنان ومختلف أنحاء الوطن العربي، من سوريا إلى العراق فأقطار الخليج العربي، ومن مصر إلى ليبيا وتونس والجزائر والمغرب... وهكذا يتلاقى المنتجون في ظلال الكتاب الذي ينفع الناس في يومهم وفي غدهم، وقد يخفف عن الجميع قسوة الظروف التي يعيشونها في "أفياء" الحرب الأهلية وتعميم ثقافة الموت بسيوف الخلافة الداعشية التي تطارد الفكرة البكر والكلمة المشعة والشعر كأحد وجوه الإبداع الإنساني، كما تطارد العلوم جميعاً، الهندسة والطب والكيمياء والفلك ثم آخر ما أبدعه العقل الإنساني في مجال التواصل الاجتماعي والتلاقي وتبادل الخبرات على طريق الغد الأفضل.
إنه عيد الكلمة والفكر والعلم الذي يتولى النادي الثقافي العربي فتح أبوابه للناس كل سنة مكتسباً بذلك لقب ناشر النور، وهذا يليق بتاريخ هذا النادي العريق الذي يتشرف باسمه.