علي الأمين
يستميت النظام السوري كي يعترف به التحالف الدولي ضد داعش كطرف في الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية. والمواقف الرسمية، كما عبّر عنها وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال الدورة العادية للأمم المتحدة أخيراً، تؤكّد استعداد سورية للتعاون. والخطاب الإعلامي السوري الرسمي المتبنّي لأدبيات التحالف الدولي ومفرداته ضدّ الإرهاب هو إعلان التزام النظام السوري الدقيق بالخطوط الحمر التي وضعتها له واشنطن وحدّدت له من خلالها مسرح عمليات جيشه وقوّاته.
وفي خضمّ الحرب الدائرة في مواجهة داعش، وفي إطار مسرح العمليات المتاح للجيش السوري، حدّد النظام السوري ثلاثة أهداف يجري التركيز عليها يكشفها الميدان، لحسمها عسكرياً من جهة، لمحاولة فرض وقائع سياسية جديدة تدفع نحو الإقرار الدولي بدوره وتعويمه في مواجهة "داعش" من جهة ثانية. هذه الأهداف، كما تشير الوقائع الميدانية، هي التالية:
1 - هجوم صاروخي عنيف على منطقة حيّ الوعر في حمص لانهاء آخر جيوب المعارضة السورية في المدينة. إذ رغم إعلان أجهزة النظام أكثر من مرّة السيطرة على هذا الحيّ إلا أنّ ذلك لم يتحقّق له ويسعى اليوم إلى تدميره بالكامل، بحسب الوقائع الميدانية.
2 - السيطرة على منطقة جوبر في ريف دمشق، حيث تقوم القوّات السورية التابعة للنظام بعملية عسكرية للقضاء على وجود المعارضة فيها، وتستخدم السلاح الصاروخي بشكل غير مسبوق، بما يوحي بأنّ النظام يتّجه إلى تدميره بالكامل.
3 - إستكمال مخطّط المملوك – سماحة في الشمال انطلاقا من طرابلس اليوم، ضمن مخطّط تفجير لبنان.
قد لا تكون هناك إثباتات أمنية أو استخباراتية متوفرة لدينا لإظهار دور النظام السوري في أحداث الشمال خلا الأيام الأخيرة، لكن إذا حدّدنا الهدف الذي تدفع نحو تحقيقه المواجهات اليوم يتبين أنّه استنزاف طرابلس وإنهاك المؤسسة العسكرية واستنزاف الاعتدال السنّي. هذا ما يتحقّق على أرض الواقع. ولا يمكن، ونحن نقارب أحداث طرابلس اليوم، إلا أن نستحضر مخطّط اللواء علي المملوك الذي كلّف به الوزير السابق ميشال سماحة. وهو المخطّط الذي كشف كم أنّ وحشية النظام السوري، من أجل الدفاع عن سلطته، مستعدّة إلى تفجير ليس مناطق خصومه وحسب، بل مناطق حلفائه اللبنانيين أيضاً.
فكما بات معلوما كان ميشال سماحة المسيحي مكلّفاً بإحداث فتنة مسيحية – سنيّة في شمال لبنان. وليست لديه مشكلة في قتل مسيحيين استجابة لمطلب النظام السوري. وهو بالضرورة ليس لديه مانع في أن يفجّر داخل منطقة شيعية إذا اقتضت أوامر النظام ذلك. إنطلاقاً من هذه السابقة الثابتة، ولأنّ الجماعات الإرهابية والتكفيرية، وفي شواهد لبنانية وسورية عدّة، كشفت عن اختراق النظام السوري لها، صار ممكناً القول إنّ "معظم قواعد التطرّف السنّي لا تعلم أنّها تخدم نظام الأسد، لكنّ قادتهم يعرفون ذلك جيداً".
وهذه حقيقة تنطبق إلى حدّ كبير على ما يجري في طرابلس اليوم. فالهجمة على الجيش لا يمكن أن تكون اليوم نتيجة ردّ فعل مجموعات سنيّة متطرّفة. ذلك أنّ المواجهات لا يمكن، مهما بلغت من تصعيد، أن تصل إلى تحكّم هذه المجموعات بالمدينة أو بالشمال عموماً، أو إلى إعلان إمارة. وأيّ قارىء للميدان يدرك أنّ هذا مستحيل ويتطلّب تحقيقه إمكانيات ومقدّمات ليست متوفرة لجبهة النصرة كما هي حال داعش، الذي لم يزل لبنان خارج أولوياته. لذا فإنّ ما يمكن أن تصيبه هذه المواجهات وتحقّقه هو فقط المزيد من دفع الجيش اللبناني إلى الغرق في متاهات الأزمة السورية، وتوريطه في كلّ الاحداث، وتحويل الاعتدال السني في الشمال إلى هامش سياسي ليست له وظيفة الا التصفيق للجيش، وإلى إنهاك المؤسسة العسكرية وإفقادها مصداقيتها من خلال إحداث شرخ بينها وبين السنّة عموماً.
من هنا اذا نفّذت جبهة النصرة تهديدها بقتل أحد العسكريين، فهذا سيضيف تحدياً جديداً تحتاج المؤسسة العسكرية إلى التصدي له، من دون أن تتوفر القدرة لديها لاستنقاذ ما تبقّى من جنودها، وبالتالي المزيد من الاستنزاف والتورّط وفقدان المصداقية هو ما ينتظرها. وهنا يجب ملاحظة التمايز بين النظام السوري وبين حزب الله. فالأخير يعمل على إيقاع محلي عنوانه ضبط الساحة الداخلية وانضباطها، وعلى إيقاع إقليمي تحدّده إيران التي لا تعاني من أزمة إقرار بدورها. وهي فتحت قنوات تعاون جدّية مع التحالف الدولي ضدّ داعش.
أمّا النظام السوري فهو اعترض واستاء من اخراج آل عيد ومقاتليهم من جبل محسن في طرابلس بدعم وغطاء من حزب الله، وليس لديه أي رادع أمام تفجير الأوضاع اللبنانية الداخلية، ما دام هذا التفجير يمكن أن يتيح له التحوّل إلى لاعب مباشر، لا بالواسطة، أي ليس فقط عبر حليفه حزب الله. وهو يريد أن يفرض على المؤسسة العسكرية والحكومة شروط تعاون يظن أنّ تحقّقها سيجعله طرفا معترفاً به في المعادلة الداخلية، وإن عبر الوصاية على اللاجئين السوريين في الحدّ الادنى.
في المحصّلة: مهما اختلطت الأمور في أحداث طرابلس، فتّش عن المستفيد... أو قل: فتّش عن المملوك.