للمرة الألف يتأكد لنا أننا لا نخوض «حرباً تقليدية»، وأن ساحة الحرب ليست على الجبهة فى سيناء، أو فى دول الجوار التى تحيطنا بسياج الدم فحسب، ساحة الحرب على شاشات الفضائيات وعلى «الكيبورد».. إن أسوأ حملة تشويه تعرّضت لها مصر انفجرت على «السوشيال ميديا»، ولن أستغرق فى كلام نظرى عن حروب الجيل الخامس، أو ما يُسمى «الجيل الرابع المتقدم»، لأن أمامنا كنزاً من المعلومات جاءت على لسان «محمود عزت»، القائم بعمل مرشد الإخوان. فقد كشفت الأوراق والأقراص المدمجة التى عُثر عليها خلال عملية القبض عليه، الكثير من استثمارات وعلاقات الجماعة وقياداتها محلياً ودولياً وأوجه إنفاق الأموال وكيفية الحصول عليها.
وما يهمنى -الآن- معلوماتياً هو ما يتعلق باختراق الفن وتسخير «القوى الناعمة» لاحتلال العقل الجمعى وحشوه بتاريخ مزيف عن قيادات إرهابية «حسن البنا وزينب الغزالى»، بزعم أنهم كانوا قادة للعمل الوطنى.
بحسب «العربية. نت» فإن أغرب ما كشفته تلك التحقيقات، حصول الجماعة على أموال من «فنانات مصريات اعتزلن الفن»، بعد إقناعهن من قِبل داعية إخوانى شهير بأن العمل فى «التمثيل حرام»، وأن الأموال التى حصلن عليها جراء ذلك حرام شرعاً، فأقنعهن باعتزال الفن والتبرّع بجزء من أموالهن لجمعيات خيرية وإنسانية لإضفاء مشروعية عليه، وإيداع الجزء الآخر فى شركات توظيف إسلامية مقابل نسبة من الأرباح شهرياً، وهو ما تم بالفعل، ليتبين لاحقاً أن الأموال ذهبت إلى جمعيات تابعة للإخوان، ولشركات الجماعة!وعقب اكتشاف الخديعة فور اندلاع ثورة يونيو من عام 2013 أقدمت تلك الفنانات على سحب أموالهن، بل عاد بعضهن للعمل الفنى من جديد.
إذاً يعترف «عزت» بصحة ما كتبناه عن أن «تحريم الفن» كان مؤامرة على المجتمع المصرى، استثماراً لأن الفنانات رمز قادر على نشر الحجاب، وقادر على توزيع الاتهامات على الوسط الفنى بعبارات مثل «التوبة، وفلوس الفن حرام»!.
الحملة على القوى الناعمة بدأت من «متولى الشعراوى» الذى تحجّبت -فى زمنه- الفنانة الكبيرة «شادية» واعتزلت الفن، ولم تقل يوماً إن الفن «حرام».. لكن بدءاً من فتاوى «عمر عبدالكافى وياسين رشدى» وبطلاتهما فى الترويج للحجاب وخلع «بدل الرقص» والتحول إلى داعيات يلقين دروساً فى منازل المجتمعات المخملية ودول الخليج، بدأت رائحة الفلوس تنتشر.. فالعملية كانت تبدأ بالدعوة إلى «درس دينى» ثم عرض «ثمن الاعتزال».. وفاحت رائحة بعض من تولوا تلك المهمة القذرة ونحن نعرفهم جيداً.نعود إلى «العربية» التى تقول: (وفقاً للمعلومات فإن الجماعة وعقب ثورة يناير من عام 2011، حاولت استثمار أموال الفنانات اللاتى خدعتهن، وغيرها من الأموال التى جمعتها من التبرّعات فى تأسيس وإقامة شركات إنتاج سينمائية وفنية، ووقع اختيارها على قيادى بالتنظيم وعضو سابق بمجلس الشعب المصرى، وهو محسن راضى لتأسيس شركة إنتاج تابعة للجماعة تقوم بإنتاج الأفلام، أطلق عليها اسم الرحاب.
وكان من المفترض أن تبدأ الشركة باكورة عملها بإنتاج فيلم وثائقى عن حسن البنا، مؤسس الجماعة، وإنتاج أفلام دينية واجتماعية تقوم ببطولتها الفنانات المعتزلات، وتولى التنسيق فى هذا الشأن الفنان وجدى العربى، الهارب حالياً لتركيا، وفنانون آخرون).. وجميعهم وضعت أموالهم تحت التحفّظ الآن.
السؤال الآن: هل نكتفى بشاشات الفضائيات لتقديم فن هادف للمجتمع، أم آن الأوان لأن تتدخل الدولة لحماية صناعة السينما التى انهارت ولم يصمد فيها إلا «السبكى»، وبعض المنتجين من الفنانين أنفسهم؟.. أتصور أن الشركة «المتحدة للخدمات الإعلامية» بعدما أنتجت الفيلم الوثائقى «قطب» آن الأوان أن تدخل مجال السينما الروائية، لمنحها قبلة الحياة.
دخول الدولة فى مجال السينما والمسرح ليس بدعة جديدة ولا منافسة للقطاع الخاص، كل روائع «المسرح القومى» كانت من إنتاج الدولة، وفى مجال السينما قدّمت الدولة أجيالاً من المخرجين والفنانين، وأفلاماً مهمة.. وربما يشجع دخولها على إنعاش دور السينما وإغراء المنتجين بالعودة إلى السينما التى هجرها أهلها!
ولا تسمحوا -مرة ثانية- بالهجوم والتنمّر بالفنانين فى الإعلام «مرئى ومقروء».. لا تقبلوا -مُجدداً- تحريم الفن!
الآن قيادات الإخوان الهاربة لتركيا، وكذلك قيادات التنظيم الدولى للجماعة المقيمة فى لندن، يبحثون عن ممولين جدد لفضائيات الجماعة التى تبث من تركيا وتسىء إلى مصر وبعض الدول العربية، ومنها فضائيات «مكملين» و«وطن» و«الحوار» و«الشرق».. هذه الفضائيات كانت تُعد فى الوقت الحالى عدة أفلام وثائقية مسيئة لمصر، لبثها خلال الفترة المقبلة، استغلالاً لقضايا أثارت جدلاً شعبياً، ومنها واقعة نقص الأكسجين فى مستشفيى زفتى بالغربية والحسينية بالشرقية، والتى نجم عنها وفاة عدد من مرضى كورونا، وكذلك قضية مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى.ونظراً لنقص التمويل، فقد تم الاتفاق على تمويل القنوات والأفلام من جانب إيران، وقام وسطاء من حزب الله بالتنسيق مع الإخوان فى ذلك.. فإلى متى ننتظر؟!
معظم الشباب الآن لا يفارقون المنصات الرقمية، فلا بد أن تتكامل أدواتنا مع بعضها البعض: (إعلام، سوشيال ميديا، سينما، مسرح).. فمعظم الأدوات التثقيفية «غير مربحة» وهى صناعة تحتاج دائماً لدعم الدولة، ولا بد من تمويلها، باعتبارها «سلاحاً» حتى لو قدّمت ترفيهاً للمواطن.. فأكثر الأفلام التى رسّخت قيم الوطنية والانتماء ومحاربة الفساد كانت «كوميدية» من نجيب الريحانى إلى عادل إمام.
الهدف هو: كيف تحتفظ بعقل المواطن؟ تُغذّيه وتثقّفه وترفّه عنه، ليمنحك فى المقابل «المصداقية» وتشكل أنت ضميره ووجدانه.. سأختم بتجربة «صوت العرب» التى صنعت الصورة الذهنية للزعيم «عبدالناصر» إعلامياً، بصوت «حليم» وأشعار «صلاح جاهين».. فمن يملك تشكيل وعى المواطن والتحكم فى اتجاهات الرأى العام يتحكم فى استقرار أو هدم الدول.