بقلم - سحر الجعارة
تستطيع أن ترفض كل ما جاء فى خطاب الرئيس الفرنسى «إيمانويل ماكرون»، بمناسبة طرح مبادرته ضد التطرف والنزعات الانفصالية، لكنك لا تستطيع أن تتجاهل رؤيته لمنابع التطرف، ولا أن تمنعه من تطبيق سياساته على أرضه!.
فرنسا، التى تضم أقلية إسلامية كبيرة، معظمها نشأت من مستعمراتها السابقة فى شمال إفريقيا، تشعر بالقلق منذ فترة طويلة بسبب ما يصطلح عليه «الإسلام السياسى».. وقد ألقى «ماكرون» هذا الخطاب فى ظل ظروف ضاغطة بعد الاعتداء بالساطور الذى نفذه شاب باكستانى قبل أسبوع فى باريس والمحاكمة الجارية فى قضية الهجوم على شارلى إيبدو عام 2015 والذى قام منفذه الإسلامى المتشدد بتصفية أعضاء هيئة تحرير الصحيفة الهزلية. كما أنه تزامن أيضا مع خطوات يقوم بها مسؤولون لصياغة مشروع قانون ضد «أشكال الانعزالية» المتوقع أن تتم إحالته على البرلمان أوائل العام المقبل. طرح الرئيس «ماكرون» خطة عمل ضد النزعة الدينية المتطرفة.. معتبرًا أن السلطات تتحمل قسمًا من المسؤولية فى تطوير ظاهرة «تحول الأحياء إلى جيتوهات». وطرح ماكرون مجموعة من التدابير لمواجهة ما سماه «النزعة الإسلامية الراديكالية» الساعية إلى «إقامة نظام مواز» فى فرنسا.. مثل إلزام أى جمعية تطلب مساعدة من الدولة على التوقيع على ميثاق للعلمانية، وفرض إشراف مشدد على المدارس الخاصة الدينية.. قائلا: إن المدارس يجب أن «تدرب مواطنين وليس مؤمنين»!. لاحظ أن لدينا تعليما منفصلا هو «التعليم الأزهرى» الذى يتغذى على منابع فكرية ثبت أن معظمها يعتمد على أفكار تكفيرية. دعا الرئيس الفرنسى إلى «فهم أفضل للإسلام» وتعليم اللغة العربية.. كما تمنى «إسلاما يكون فى سلام مع الجمهورية»، وخاليا من «التأثيرات الخارجية». وقال إنه سيتم تعزيز الرقابة على تمويل دور العبادة، وأضاف أنه سيتم تضمين القانون «آلية تمنع الانقلاب» لمنع استيلاء متطرفين على المساجد. وكذلك إنهاء نظم «الأئمة المبتعثين». ما يهمنى فى كل ما سبق هو تحديد مصادر التطرف الدينى فى عدة محاور: النزعة الانفصالية والعزلة للعيش فى مجتمعات خاصة، «التعليم الدينى» والتسرب من المدارس، الجمعيات التى تتلقى تمويلا من الدولة أو من الخارج والتعتيم على دخلها، «الأئمة» وسيطرتهم على دور العبادة لدرجة قد تمكنهم من الانقلاب.. وأخيرا الفهم الخاطئ للإسلام!!.
شدد الإليزيه، فى وقت سابق، على أن «هذا القانون يهدف لحماية المسلمين الذين يمثلون الضحايا الرئيسيين للإسلام المتطرف».. إذن نحن أمام عملية تصحيح لدولة مُحيت هويتها العلمانية، وفقدت مناخ الحرية الذى كان يميزها، وشهدت أزمات لإقرار البوركينى أو دخول المدارس بالنقاب.. وحين قال «ماكرون» إن: «الإسلام دين يعيش أزمة اليوم فى جميع أنحاء العالم»، لم يكن يتنمر بالإسلام ولا يكرس العنصرية.. بل على العكس كان يحدد مراكز الخلل ومناطق الاختراق التى جعلت كلمة الإرهاب لصيقة بالإسلام. فلا أحد ينكر أن «حظر الاجتهاد» قد أغرق المسلمين فى دوامة فتاوى عبثية وهوس جنسى، وأن كل التنظيمات الإرهابية: (القاعدة، داعش، الإخوان) وجدت مرجعية دينية فى التراث الإسلامى لما ترتكبه من جرائم وحشية فى حق الإنسانية.
وحين تضع فرنسا مشروع قانون يمثل لها إحياء الجمهورية، وقيمها حول التحرر والمساواة وترسيخ قيم العلمانية فى التعليم والحياة العامة.. فإنها تخوض حربًا صدرتها إليها الدول المسلمة، والكيانات الإرهابية، وحين تقرر مد حظر الحجاب إلى القطاع الخاص، فهى تعلم أنه «رمز سياسى» أكثر منه فرضًا دينيًا، وإذا اعتبر البعض أن التصدى للإسلام السياسى بالقانون وهيمنة الدولة على التعددية الدينية هما حرب على الإسلام.. فعليهم أولا أن ينظروا كم دولة إسلامية سقطت وتمزقت بأيادى المسلمين: (ليبيا، سوريا، العراق، اليمن). ولنسأل أنفسنا أولا: هل فرنسا هى من قسمتنا إلى سُنة وشيعة وعلويين وأراقت دماء المسلمين وضيعت الحضارات العربية.. أم نحن من فعل هذا بتراثنا الميمون وتوقف عقولنا عن النمو وإصرارنا على أن يكون «الدين فوق الدولة».. حتى سقطت كل الدول التى تبنت هذه القاعدة فى قبضة التنظيمات الإرهابية وأصبحت عواصمها خرائب وجيوشها ميليشيات وشعوبها لاجئين «إلى أوروبا»!!.