عريب الرنتاوي
"كتاب التدخل السريع"، ظاهرة إسرائيلية كذلك، وهي ليست محصورة في دول عربية بعينها ... هذا ما يمكن فهمه من مقالة المحلل الإسرائيلي في صحيفة "هآرتس" روغل ألفر، الذي عرض فيها أبرز ما جاء في موجة متزامنة من المقالات في صحف اليمين الإسرائيلي، كنا تابعنا بعضاً منها في صحف مثل : معاريف اليمينة، إسرائيل هيوم، المقربة من رئيس الحكومة، مكور ريشون صحيفة المستوطنين المستحوذة على صحيفة "المفدال" العريقة "هتسوفيه".
التزامن في نشر المقالات، وتقاطع التحليلات وتقاربها، والخلاصات والنتائج المتطابقة، بين هذه المقالات، يشي حسب الكاتب، بوجود مصدر توجيه واحد، غرفة عمليات يمينية واحدة، تريد أن تبعث برسائل حادة "كنصل السكين" للأردن ... الأمر ليس صدفة أبداً، الأمر يرقى إلى مستوى السياسة العليا في إسرائيل، ويعكس على نحو لا لبس فيه، التوجه الاستراتيجي الجديد لليمين الإسرائيلي المتحكم بمقاليد صنع القرار في الحكومة والكنيست والأحزاب والرأي العام.
الفكرة الرئيسة المشتركة بين مقالات كتاب اليمين، تقول: إن ضم غور الأردن وشمالي الميت، إنما يهدف إلى ضرب عصفورين بحجر واحد: الأول؛ ضم الضفة الغربية وإنهاء أية فرصة من أي نوع، لقيام كيان فلسطيني قابل للحياة غرب النهر ... والثاني؛ التوطئة لإنهاء مفاعيل اتفاقية وادي عربة، كشارة بدء لمشروع تحويل الأردن إلى فلسطين، للخلاص من ملايين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بأي شكل أو صيغة.
صحف اليمين وكتابها، تَحمل على "الهاشميين"، وتُحمل الملك عبد الله الثاني وزر التحول إلى عقبة على طريق إنفاذ مشاريع اليمين في ضم الضفة وتحويل الأردن إلى فلسطين وتهويد القدس بمقدساتها كذلك ... وهي لا تخفي رغبتها في الإطاحة بنظامنا الملكي، وتشجيع "ربيع أردني"، وإثارة "فوضى غير خلاقة" في الأردن إنفاذا لحلم اليمين ومشروعه، وترجمة لـ"يهودية الدولة": بين النهر والبحر، لا مطرح لغير اليهود وحقهم وحدهم في تقرير المصير.
الحقيقة الراسخة التي يضيء عليها المحلل الإسرائيلي، هي أن هذا التوجه، الذي يكاد يرقى إلى مستوى "خريطة طريق" للمستقبل، تحظى بإجماع اليمين بمختلف مدارسه واتجاهاته، بمن فيهم نتنياهو ومنافسه أو خليفته المحتمل على رأس الليكود جدعون ساعر، كما أنه يشمل القاعدة الشعبية الأوسع لهؤلاء، وجمهور المستوطنين ... ما لم تشر إليه المقالة، أن ما يسمى "كتلة الوسط" في إسرائيل، ليست بعيدة عن هذه التوجهات، وإن كانت تفضل "تعاوناً" أردنياً لتنفيذها وترجمتها، بدل أن تكون بالضد من الأردن وفي مواجهته.
لن نعيد سرد "البذاءات" التي وردت مقالات اليمين، كتاباً وصحفاً، فقد بلغت من الإسفاف حداً لا يجوز الصمت عليه، بيد أن ما يهمنا في هذه المقالة، هو التنويه إلى إجماع كتاب اليمين على وصف الملك عبد الله الثاني بـ"الخطر" الذي يتعين إزاحته، والتلويح بـ"تعطيش" الأردن، لخلق حالة من الفوضى والاضطراب الداخليين.
نحن أمام لحظة انعطاف استراتيجي في نظرة إسرائيل للأردن، لا يجوز معها الاستمرار في فعل الشيء ذاته، ولا الاستخفاف بالمطالب الداعية لـ"تفكيك" اعتمادية الأردن على إسرائيل في حقوق استراتيجية كالمياه والطاقة، كما لا يجوز المضي في الصمت على هذه المقاربات، وعدم القيام بكل الاستعدادات الضرورية لمواجهة المرحلة الاستراتيجية الجديدة، التي دخلتها العلاقات الأردنية – الإسرائيلية.
رسائلنا لإسرائيل في المقابل، يجب ألا تكون "مترددة" أو "متلعثمة"، ولا "حمّالة أوجه"، لقد أعلنوا الحرب على الأردن، أمنا واستقراراً وهوية وكياناً، وعلينا أن نتصرف على هذا النحو، ولا شيء دون ذلك أو أقل منه.