عريب الرنتاوي
خلال عَشْريتين من السنين، تبلور ما يشبه "" الأردني على أن "حل الدولتين" هو الخيار الذي يحفظ للأردن مصلحته وأمنه الوطنيين، فضلاً عن كونه تجسيداً لحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، كما صاغتها وتوافقت عليها منظمة التحرير الفلسطينية منذ أواسط سبعينات القرن الفائت ... هذه مسألة لا تحتاج إلى دليل، وليس ثمة من ضرورة لأن ينبري أحدنا مذكراً بها.
لكن المسافة بين هذا "التفكير الرغائبي" و"التفكير الواقعي" تبدو طويلة ومتباعدة ... فمن أجهز على فرص "حل الدولتين" هو الدولة والمجتمع الإسرائيليين اللذين ما فتئا ينزاحان صوب التطرف الديني والقومي، فيما الوقائع الاستيطانية على الأرض، والتي تسارعت خلال السنوات الثلاث الفائتة، والمرشحة لمزيد من التسريع في السنوات القليلة القادمة، تقضي على أي "أمل" أو "فرصة" في ترجمة هذا الحل وتجسيده، ومن المفروض أن تضع حداً لتفكيرنا "الرغائبي" والتوجه جدياً لبحث خياراتنا لمرحلة "ما بعد فشل حل الدولتين"، والإجابة على سؤال: كيف نضمن ونصون مصالحنا وأمننا الوطني المهددة بكل معنى الكلمة، في أي سيناريو من السيناريوهات البديلة؟
والتفكير بالدولة الواحدة "ثنائية القومية" يبدو بدوره، ضرباً آخراً من "التفكير الرغائبي" يستفحل في أوساط من أسقطوا رهاناتهم على "حل الدولتين" ... فإن كان انفصال الفلسطينيين في دولة أو كيان قابل للحياة، أمراً مرفوضاً من قبل غالبية وازنة من الإسرائيليين، فإن إدماجهم في الدولة الواحدة، ثنائية القومية، يبدو أمراً مرفوضاً بإجماع إسرائيل نادر ... وإن كان "حل الدولتين" يتطلب قدراً من "توازن القوى" بين الفلسطينيين والعرب من جهة، وإسرائيل وإدارة ترامب من جهة ثانية، فإن "توازنات القوى" الكفيلة باستخراج "حل الدولة ثنائية القومية" إلى دائرة النور، تبدو أكثر صعوبة وأبعد منالاً.
مآلات المسألة الفلسطينية لا تنحصر في واحد من خيارين اثنين: الدولة المستقلة أو ثنائية القومية ... لإسرائيل بدائلها الأخرى، التي تتخطى الخيارين معاً، وهي في وضع استراتيجي، يمكنها من فرض ما تريد بلا خسائر أو بأقل قدرٍ منها ... والأمر هنا لم يعد موضع قراءات واجتهادات، فإسرائيل ماضية في ضم معظم الضفة الغربية، وبإجماع نادر في أوساط تيارها المركزي (الليكود وأزرق أبيض ومن والاهما من أحزاب صغيرة) ... إسرائيل ماضية في إلحاق أوسع مساحة من الأرض بأقل قدر من السكان ... وإسرائيل مستفيدة من بؤس الأداء الفلسطيني، ماضية في تفريغ قرى الفلسطينيين وأريافهم لحشرهم في التجمعات الحضرية الكبرى، لتحيلها إلى كانتونات معزولة، خاضعة لحكم ذاتي موسع، أو ربما لأكثر من سلطة حكم ذاتي، تتعدد بتعدد الحواضر والمدن الفلسطينية الكبرى.
بنتيجة لزحف الاستيطاني المنفلت من كل عقال، وفي خواتيم مشروع زراعة مليون مستوطن في الضفة، ومع استمرار حالة التهتك الداخلي الفلسطيني، والتآكل العربي واللامبالاة الدولية، لن يكون هناك كيان فلسطيني قابل للحياة (لا أقول سيداً ولا مستقلاً) وسنكون – ربما – أمام "المرحلة الثانية" من صفقة القرن، يجري في خلالها العمل على استدراج الأردن أو الضغط عليه للقبول بصيغة من صيغ "الخيار الأردني" المعروفة والمتداولة، بالرغم من كل ما نعرف وتعرفون عن رفض الأردنيين والفلسطينيين لمآلات من هذا النوع.
هنا الوردة، فلنرقص هنا ... لا حاجة لنا للبرهنة على أهمية حل الدولتين، ولا قيمة لاستمرار التبشير بأن هذا الحل لم يفقد فرصه بعد ... مكتوب الحل النهائي كما يتجلى أمام ناظرينا، يقرأ من عنوانه، وعنوانه تصفية الحقوق الفلسطينية والمساس عميقاً بأمن الأردن ومصالحه العليا وأمنه الوطني وهويته وكيانه.