لا أحد فى المنطقة ضد تركيا كشعب، أو كدولة أو جزء ومكون تاريخى فى المنطقة، ولكن الجميع - باستثناء قطر والبنتاجون الأمريكى - ضد شخص وسياسات الرئيس أردوغان.
أردوغان، اليوم، مأزوم، فكل عملياته العسكرية ومغامراته الحمقاء، وقرصنته البحرية مهددة بالفشل.
فى العراق، علاقاته شديدة التوتر مع حكومة الكاظمى، وعلى مسرح العمليات لم ينجح فى تحقيق أهدافه بشأن الأكراد.
فى سوريا، ممنوع عليه -من الوجود العسكرى الروسى- أى تصعيد أو توسع إضافى أو أى محاولة للوصول لمنفذ بحرى على «الساحل السورى».
وفى ليبيا، جاء الإعلانان من البرلمان والحكومة لإيقاف إطلاق النار، وإخراج الجيوش الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، ليطرح «الجدوى الحقيقية» لمشروع «المقاولة التركية لتدريب وتسليح ونقل المرتزقة السوريين من ساحات القتال السورية إلى شرق ليبيا».
مقاولة المشروع الليبى هى خمس مقاولات كبرى فى عقد واحد:
1 - مقاولة تخليص الجميع من الدواعش والتكفيريين فى شمال سوريا، وإيجاد ملاذ آمن لهم فى ليبيا، بعدما كان الجميع يسأل «ماذا سنفعل بهم بعدما تسكن المدافع؟».
2 - مقاولة التدريب ورفع الكفاءة العسكرية والتهيئة للقتال فى سوريا، فى معسكرات تركية قبل عملية النقل.
3 - مقاولة التسليح الممول من إيرادات النفط الليبى المودع فى المصرف المركزى بطرابلس المسيطر عليه من قبل حكومة الوفاق المنتهية الشرعية.
4 - مقاولة إقامة قواعد عسكرية، وحق التنقيب فى ليبيا «نوفمبر 2019» يؤسس حسب نص الاتفاق لمنطقة اقتصادية خالصة تمتد من الساحل الجنوبى لتركيا حتى شمال شرق ليبيا، وهو اتفاق رفضته مصر من الناحية القانونية واعتبرته اليونان مضاداً للمنطق لأنه يلغى حقيقة وقوع جزيرة كريت اليونانية فى المنطقة.
5 - مقاولة تهديد الأمن القومى المصرى بطلب سياسى وتمويل مفتوح من قطر بحيث تكون الحدود الغربية المصرية دائمة التهديد ويتم استنزاف الموارد المصرية بحيث يتم إيقاف مشروع الرئيس السيسى للإصلاح وبناء مصر القوية.
وكان أردوغان، الذى أعلن عن مشروعه لبناء تركيا القوية عام 2002 فى المؤتمر العام لحزبه، يشعر أن مشروع «مصر القوية» فيه تهديد وجودى لمشروع «تركيا القوية».
مشروع الرئيس السيسى يهدف إلى تقوية وإصلاح البلاد والعباد فى مصر؛ خدمة لشعبها الصبور الذى عانى لسنوات من نقص فى الحاجات والخدمات الأساسية، بينما مشروع «تركيا القوية»، كما يراه أردوغان، يهدف لبناء دولة مارقة مضادة للقوانين الدولية، تعتمد سياسات القوة العسكرية واستعراض العضلات السياسية والأمنية للسطو على موارد المياه، والغاز والنفط، وأرصدة البنوك المركزية لأنظمة عميلة أو قوى مستضعفة.
مصر تسعى لإقامة دولة محترمة، تمارس حقها المشروع فى تنمية مواردها وتقوية جيشها لرفاهية شعبها والدفاع المشروع عن حدودها ومصالحها.
«تركيا أردوغان» تسعى لتمديد وفرض مشروع شرير يعيد قولاً وفعلاً الخلافة العثمانية البغيضة لاحتلال 29 ولاية تابعة للسلطان والخلافة.
مصر وتركيا من أقوى القوى ذات الأغلبية الإسلامية السنية فى المنطقة، وبسبب حماقات مشروع أردوغان، أصبحت العلاقة بينهما علاقة تناقض رئيسى تنذر بمواجهة عسكرية، بدلاً من أن تكون علاقة تعاون وتكامل لرفاهية البلدين واستقرار وسلام المنطقة.
الغضب الأردوغانى الآن شديد بسبب:
1 - الاتفاق المصرى - اليونانى لترسيم الحدود البحرية بينهما.
2 - الاتفاق الثلاثى بين الإمارات وإسرائيل بضمانة أمريكية.
3 - الضغط الدولى الشديد لإيقاف مغامرة تركيا وقطر لقيام الميليشيات والمرتزقة باختراق خط سرت - الجفرة الذى اعتبره الرئيس السيسى بشكل صريح وصارم خطاً أحمر.
هنا نأتى إلى أكثر ما أزعج أردوغان بعد كل ما سبق، وهو الدور الأمريكى الصريح والواضح والضاغط بقوة سياسية غير مسبوقة فى عهد الرئيس ترامب لا يوازيه سوى الضغط الأمريكى على إيران.
ماذا حدث؟
مفتاح السر فى هذا الضغط هو شخصية «السيدة ستيفانى ويليامز» رئيس البعثة الأممية للأمم المتحدة فى ليبيا.
قبل الإضاءة على شخصية السيدة ويليامز الأمريكية الجنسية، علينا أن نؤكد أن القرار الأمريكى بالتدخل السياسى بشكل ضاغط وخشن هو قرار صادر من الرئيس دونالد ترامب شخصياً بناء على توصيات صريحة من مساعديه فى البيت الأبيض، وفريقه الانتخابى الذين بنوا موقفهم على حيثيات وعناصر واضحة تقول:
1 - إن السلوك الخاص لرجب طيب أردوغان الخارج عن السيطرة أصبح يصب الزيت على منطقة مشتعلة بما فيه الكفاية ترقد على أكبر خزانين للنفط والغاز فى آن واحد.
2 - أنه غير مسموح لقوى إقليمية مهما كانت أهميتها الاستراتيجية - مثل تركيا - أن تمارس أدواراً خطيرة بشكل منفلت تماماً خارج عن السيطرة.
3 - أنه يكفى الولايات المتحدة خارجياً ملفاتها الحالية المعقدة مع الصين، وإيران، وروسيا، ودول الاتحاد الأوروبى، ويكفى الرئيس معركته الداخلية مع «بايدن» ونائبته «كمالا» وتأثيرات الكورونا على الاقتصاد الداخلى ومكانة ترامب.
هنا يأتى السؤال الجوهرى الحاسم: هل سيستجيب أردوغان ويلتزم بالمطلب الأمريكى؟ هل سيكون التزامه حقيقياً؟ وإذا كان حقيقياً فهل سيكون مؤقتاً -أى حتى معرفة من هو الرئيس الأمريكى فى نوفمبر المقبل؟ أم «سيغلب الطبع التطبع» ويلعب أردوغان ألاعيبه التقليدية المراوغة، بمعنى أن يقول «نعم للتسوية» ولكن يمارس الحرب؟!
ولأن السيدة ستيفانى ويليامز تدرك ذلك، فقد قامت بالتحرك بالتنسيق مع جهود غير علنية فى واشنطن ومع قيادة القوات الأمريكية فى أفريقيا «أفريكوم»، ومع وزير الخارجية مايك بومبيو فى توجيه رسائل صريحة لكل من حفتر وعقيلة صالح من ناحية، وفايز السراج وخالد المشرى من ناحية أخرى مع إبلاغ كل من الدوحة وأنقرة بأن التسوية «الآن» وحتى نوفمبر مطلوبة، والأهم منها هو إيقاف إطلاق النار وتأجيل أى مشروع خاص بـ «سرت - الجفرة».
ستيفانى ويليامز دبلوماسية أمريكية حاصلة على شهادة العلاقات الدولية من جامعة ميريلاند، وماجستير من مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون.
عملت فى مناصب دبلوماسية فى كل من الأردن والعراق والبحرين وسوريا والإمارات والكويت وباكستان فى فترات حساسة لكل من هذه الدول.
كانت ستيفانى القائمة بالأعمال لسفارة بلادها فى ليبيا، وبالتالى فهى مؤهلة تماماً للعب دور الوسيط وناقل الرسالة وممارسة الضغط المؤقت حتى نوفمبر!