مستقبل العالم العربى ولسنوات مقبلة -بإذن الله- سوف يعتمد على 3 زعماء هم الرئيس السيسى، والشيخ محمد بن زايد، والأمير محمد بن سلمان.
أقول ذلك بناء على عناصر موضوعية بعيدة عن المشاعر أو المجاملات السياسية، وهى:
1 - استقراء ماذا فعلوا؟
2 - استقراء ما هو حادث الآن من تحديات؟
3 - توقع ماذا يمكن أن يحدث وتوقع سياساتهم المقبلة.
على مدار 3 أيام -بإذن الله- سوف نشرح ذلك، ونبنى تفاصيل صورة المستقبل القريب، واليوم نبدأ بالرئيس المصرى.
يخطئ من يعتقد أن عبدالفتاح السيسى الإنسان، ابن حى الجمالية، المتدين، الزاهد عن ملذات الحياة، ذا العشق الكامل للحياة العسكرية، كان يطمح إلى السلطة أو السلطان.
لكل شخصية مفتاح رئيسى فى الفهم الصحيح، ومفتاح شخصية السيسى هو «السعادة المطلقة فى تحقيق أحلام البسطاء».
يؤمن الرجل إيماناً مطلقاً، كما كان يردد وهو طالب فى الكلية الحربية، وهو يخدم فى القوات المسلحة، وهو رئيس للمخابرات الحربية والاستطلاع، وهو وزير دفاع، وهو رئيس للجمهورية، وما زال حتى الآن أن «مصر تستحق أن تقود وليس أن تقاد، وأن تصبح نموذجاً، وليس أن تكون تابعة مستضعفة».
ويردد الرجل فى مجالسه الخاصة: «شعب مصر الصبور يستحق حياة أفضل بكثير مما هو عليه الآن».
ويشعر «السيسى» أن الحلم لا يعرف سقفاً يحده، وأن أحلامه لمصر والمصريين ليست بتحقيق الحد الأدنى من سبل الحياة الكريمة، ولكن أن تتصدر بإنجازاتها كل المجالات.
يؤمن الرجل إيماناً مطلقاً بأنه لا مستقبل للضعفاء فى هذا العالم، وأن الشرعية لأى حاكم هى الإنجاز، وأن ثمن الإنجاز يجب أن يكون حصيلة إخلاص وتفانٍ وجهد لا نهائى.
انضباطية السيسى مكون رئيسى وجوهرى فى مفتاح السيسى، فالرجل الذى يستيقظ عند الفجر، ويعمل بلا سقف زمنى، ويحافظ على برنامج عمل مجهد للغاية لكل من حوله، يسعى لتطبيق نفس القواعد على فريق عمله على كافة المستويات.
الرجل لا يجامل، ولا يسعى أبداً لتقديم رشاوى سياسية، أو غضّ البصر عن أخطاء أو خطايا فى حقوق الشعب أو فى شئون المال العام.
يؤمن السيسى بأن أملاك الدولة خط أحمر ممنوع المساس به أو التعدى عليه، لذلك يمارس أكبر قدر من الانضباط والشدة والقسوة مع الذات والغير فى تطبيق حرفية القانون.
انظر إلى إصراره على تطبيق أصعب القرارات: ثورة 2013، دستور جديد، تحرير سعر الصرف، إزالة التعديات على أملاك الدولة، الإصرار على تحصيل حق الدولة من رسوم وعوائد وضرائب.
قد تبدو هذه القرارات بعيدة عن الشعبوية، لكنها -كما يؤمن إيماناً مطلقاً- هى القرارات السليمة والصحيحة لتحقيق الإصلاح المنشود.
يتعامل السيسى مع ملف شئون الإصلاح مثل الطبيب الذى اؤتمن على إنقاذ مريض يحتضر، لذلك تعامل مع هذا التحدى على 3 مراحل:
1 - إنقاذ المريض من التهديد الوجودى لحياته.
2 - الإصلاح الجاد الصعب لعبور الأزمة الصحية ومعالجة جذور الأمراض التى تراكمت منذ أكثر من نصف قرن بعلاجات جذرية حتى لو كانت تستدعى جراحات مؤلمة.
3 - إخراج المريض من الإنعاش ثم تحسين حالته، حتى يصبح إنساناً نموذجياً يضرب به المثل فى الصحة والعافية.
يعرف السيسى أن فاتورة إنجاز المراحل الثلاث هى تحديات مكلفة للغاية وقد تتعرض فيها صحة المريض لبعض الأزمات الطارئة أو الانتكاسات المفاجئة، لكنه يتسلح بالإيمان المطلق بالله، وبكل إنجاز يتحقق فعلياً وليس كلامياً على أرض الواقع مما يكسبه مصداقية لدى ملايين المصريين.
رصيد السيسى يعتمد على أنه إذا قال فعل، وإذا وعد صدق.
هل هذا كلام عاطفى أو مديح سياسى؟
الإجابة «لا»، لأن تتبع حالة الانتقال من الوعد إلى الإنجاز هو الذى يثبت مدى مصداقية هذا الكلام.
وعد السيسى بحفر قناة جديدة فى السويس بتمويل مصرى كامل، ووعد ببناء أنفاق تربط ضفتى القناة، وبإصلاح شبكة طرق وكبارى، وبتوفير كهرباء دون انقطاع، وبناء عاصمة إدارية جديدة، وتشييد 12 محافظة متطورة، وتحرير سعر الصرف، وتطوير سكك الحديد، وإنجاز مراحل المترو، والقضاء على العشوائية، وعلاج فيروس سى القاتل، وتوفير ضمانات العلاج عبر مبادرات رئاسية، ورفع إنتاجية البلاد من الاحتياجات الأساسية، وعد بذلك كله وبالفعل صدق.
إحساس الرجل بالبسطاء المهمشين حقيقى وليس من قبيل السعى إلى شعبوية جماهيرية.
وعد الرئيس السيسى بتحسين أحوال الناس فضاعف الدعم على بطاقات التموين وزاد عدد المستفيدين منها بنسبة 20٪، ووفر معاش تكافل وكرامة، ورصد مليارات لأصحاب المشروعات الصغيرة، وتدخّل لفكّ الحبس عن الغارمات فى السجون، ورفع سقف الأجور الدنيا، وزاد المعاشات، وحسّن برامج التأمين الاجتماعى، وطوّر الخدمات الصحية.
وما زال ملفا الصحة والتعليم هما التحديين اللذين يسعى ليل نهار لإحداث اختراق كبير فيهما.
يفعل السيسى ذلك فى ظروف إقليمية ودولية عاصفة، وفى منطقة متوترة، وفى وضع فيه تقلبات مخيفة تحيط بجيرانه المباشرين:
1 - عند الجنوب تحاول السودان تجاوز صعوبات مواجهة مخلفات نظام عمر البشير.
2 - عند الغرب حيث حدوده الغربية هناك مشروع شرير تقوده تركيا بتمويل قطرى لدعم ميليشيات الإرهاب التكفيرى.
3 - عند الشرق هناك مخاطر الولاءات عند حماس، وخطط بنيامين نتنياهو التوسعية.
يحدث ذلك وهناك خطر عند منافذ البحر الأحمر الاستراتيجية بسبب حرب اليمن والتطرف الإيرانى.
يحدث ذلك، وهناك تهديد وجودى لثروة مصر الواعدة من الغاز والنفط فى شرق المتوسط بسبب القرصنة البحرية التركية.
يحدث ذلك، وهناك مراوغات ومماطلات شريرة متعمدة تُفقد أى إنسان صبره الاستراتيجى من قبَل الحكومة الإثيوبية للإضرار بحصة مصر فى المياه.
معارك السيسى على 3 جبهات: فى الداخل من أجل الإنجاز، وفى المنطقة من أجل الأمن القومى، وفى العالم من أجل تحقيق بيئة مواتية وصديقة للتعاون والإصلاح والأمن.
يحسن السيسى استخدام القوة بشكل حكيم.
يدرك الرجل أنه بالرغم من قيامه بإحداث نقلة غير مسبوقة فى التوازن الاستراتيجى فى المنطقة، وبتنويع مصادر السلاح، ورفع الكفاءة القتالية ورفع مستوى الجيش المصرى مما جعله يصبح تاسع قوة عسكرية فى العالم، إلا أنه يفهم -بعمق- مسألة «كيف ومتى يستخدم القوة العسكرية»، ويفهم أيضاً نظرية «حدود القوة» فى ظل قراءة صحيحة للظروف الإقليمية التى تهيئ أو تمنع أو تحد من استخدامها.
فى 3 مسائل استراتيجية يجب ألا يسعى البعض إلى «ملاعبة أو إرغام رئيس مصر».. تلك هى:
1 - حدود مصر شرقاً، غرباً، جنوباً فى البر والبحر والجو.
2 - مياه النيل طبقاً لحقوق مصر المكفولة باتفاقات دولية.
3 - ثروات مصر من النفط والغاز، وممرات ومنافذ النقل فى قناة السويس.
يدرك الرئيس جيداً أن هناك خطة لتفتيت وتشتيت قدرات مصر العسكرية من قبَل أعداء مصر فى المنطقة.
كان حلمهم أن نجد جيش مصر يقاتل فى الداخل لمحاربة الإرهاب التكفيرى فى سيناء، ويدعم الأشقاء فى اليمن، ويخوض حرباً مستحيلة فى أفريقيا دفاعاً عن الماء، وحرباً بحرية فى شرق المتوسط للدفاع عن ثروة الغاز، وفى صحراء ليبيا لتأمين الحدود الغربية، كل ذلك فى آن واحد بأعلى كلفة بشرية ومادية من أجل إجهاض مشروع الإصلاح الاقتصادى المصرى واستنزاف موارده وتعطيل مشروع مصر القوية.
الذين درسوا أعلى الدراسات الاستراتيجية فى العالم، مثل الرئيس السيسى، يعرفون جيداً أن الحرب الناجحة لا تعنى القتال، لكنها قد تحقق أهدافها بإظهار القدرة على الردع والحسم.
إن لم يفهم عدوك رسالة الردع بدون قتال، فإن الحرب ستكون حرب الضرورة التى تنتظر فوراً البدء فيها.
وبدون لف أو دوران، لكل من يتساءل أو بداخله حيرة أو يبحث بصدق أو نتيجة عدم فهم: هل يمكن للرئيس السيسى أن يصدر أمراً بالحرب ويحارب بالفعل؟
الإجابة المباشرة التى لا «تنميق سياسى فيها» هى:
«سيحاول حتى اللحظة الأخيرة استخدام سياسة الردع الممزوجة بأقصى الضغوط الدولية، ولكن إذا لم تصل الرسالة للخصم أو العدو وتجاوز الخط الأحمر للأمن القومى المصرى فإن قرار السيسى سيكون فورياً، رادعاً بلا تردد وبلا هوادة».
مفتاح شخصية الرجل، وخياراته وطبيعته النفسية، والمصالح العليا لبلاده تجعله بالطبيعة وبالضرورة قريباً من بن زايد وبن سلمان.
غداً وبعد غد نشرح شخصية كل منهما، لنفهم لماذا هناك ارتباط معنوى ومصيرى بين القاهرة والرياض وأبوظبى.