بقلم - مصطفى الفقي
تعلم أيها العام الجديد القادم من ضمير الغيب أن سلفك لم يكن عامًا سعيدًا على البشرية، وأنه قد حمل لها وباءً لئيمًا جثم على صدور الملايين وأودى بحياة مئات الألوف ومازال يمارس نشاطه المستتر بغزو الأجساد دون قاعدة واضحة أو احترازات مؤكدة، فهو حريص على ألا يعطى مفاتيحه الحقيقية لمن يحملون العبء الأكبر من رجال ونساء الجيش الأبيض، لقد ضرب الوباء الذى ظهرت بوادره فى الربع الأخير من عام 2019 واستمر مع شهور عام 2020، وفقدنا خلال ذلك أقارب وأصدقاء وزملاء بعد مائة عام من تفشى الإنفلونزا الإسبانية، وكأنما هى دورة قرن من الزمان تذهب وتعود عندما تشاء.. ونحن متفائلون بك أيها العام الجديد لتمسح الدموع، وتخفف الآلام، وترفع معاناة المحنة عن صدور البشر وأن يصل خلالك الترياق الحقيقى والتطعيم الصحيح الذى لا يختلف عليه الناس ولا تثور حوله الأقاويل، فقد تركت محنة وباء الكورونا أزمة شك كبيرة مع جدل واسع من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، حيث خلطت الحابل بالنابل وأطاحت بالفروق بين الشائعة والحقيقة وأصبحنا أمام ركام ضخم من التحليلات، والتأويلات، والنصائح والتعليمات.
إننى لا أريد أن أفرط بالترحيب بك عام 2021، كما لا أستطيع أن أدين سلفك إدانة كاملة، فلقد قالت العرب قديمًا: (رب يوم بكيت منه فلما مضى بكيت عليه)، فأرجو ألا تخذلنا حتى لا ينظر إلينا عام 2020 فى شماتة وسخرية، بل نرجو أن يكون على يديك الفرج وفيك المخرج، يعود بك الاطمئنان والسكينة ونسترد الثقة المفقودة فى بعض فروع البحث العلمى ودروب الحروب البيولوجية التى بدأت تطل برأسها على الإنسان والحيوان على السواء. أيها العام الجديد، أسأل الله فيك زوال الأحقاد، وتراجع الأوبئة، وتوقف الصراعات الدامية والحروب القاتمة، ودعنى أهمس فى أذنيك بكلمات قليلة، أطالب من خلالها تكنولوجيا المعلومات بأن تترفق بالبشر، وأن تدرك أن هناك أجيالًا ترحل وأخرى تتقدم، ونأمل ألا تتسع الهوّة بين هؤلاء وأولئك، وأعاود لأواصل الهمس فى أذنيك، لا تتصور أن ما يجرى هو نهاية المطاف أو خاتمة الوجود، فلقد عرف أجدادنا الطاعون ثم اختفى، وعرفوا السل ثم توارى، وعرفوا السرطان وتعايشوا معه، وعرفوا عشرات الأوبئة الفتاكة والأمراض المزمنة، ولكن الجنس البشرى واصل الحياة لأنها إرادة الخالق فى استمرار مخلوقاته وتواصل كائناته عبر الأزمنة والعصور مهما كانت التحديات، اللهم احم الكنانة برعايتك، وادفع عنها الشرور بحمايتك، واكتب للبشر جميعًا بغير استثناء راحة البال والصبر على الأهوال، فنحن جميعًا- مع اختلاف الحضارات وتباين الثقافات وتعدد الديانات- نمخر عباب الحياة فى سفينة واحدة تسعى إلى شاطئ الأمان لترسو على البر فى سلام، كما أننا لا نسألك رد القضاء ولكن - كما يقولون- نسألك اللطف فيه، فبعد ساعات قليلة يطلع نهار جديد وتبزغ شمس عام قادم ويرحل عام مضى بما له وما عليه، ونرنو جميعًا إلى مستقبل أفضل وحياة أكثر أمنًا، يختفى فيها الفقر الذى يطيح بكل القيم، ولا يوجد فيها قلق يدمر النفوس.
ولنتذكر قوله تعالى (الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ)، فليكن عام 2021 هو عام تضميد الجراح، وعام المصالحة الشاملة وبداية التضامن البشرى والتعاون المشترك فى كل المجالات، نريده عامًا ترتفع فيه رايات التعليم، وتزدهر فيه صحة الملايين، وتتقدم مواكب الصناعة فى أرض المحروسة حتى تتناغم أحجار الأبنية الرائعة مع معزوفة الإنجازات التقنية، ولنتذكر أن أدق تعريف لكلمة (تكنولوجيا) هو توظيف العلم فى خدمة الصناعة، ولن تستعيد مصر ريادتها وتسترد مكانتها إلا بتقديم الدولة النموذج للمنطقة بأسرها يوم يفتح الستار عن مصر الحديثة لتطل على الأشقاء والأصدقاء دولة عصرية ديمقراطية مزدهرة.. دعنا نهمس فى أذن العام الجديد ببيت شعر قاله المتنبى، نهديه الآن إلى عيد رأس السنة الميلادية، فنقول: (عيد بأية حال عدت يا عيد... بما مضى أم بأمر فيك تجديد).