بقلم - ناصر الظاهري
لأننا الآن منذ عام ويزيد، لم نقطع تذكرة جديدة للسفر، وتذاكرنا القديمة انتهت صلاحياتها، ولا ندري ما هو مصيرها؟ هل سيفعّلونها ويمددون صلاحيتها، أم رزق الله على أيام السفريات؟ اليوم كل رأسمالنا من السفر تلك الصور التي تذكّرنا بها بعض تطبيقات الهاتف كنوع من الحنين، وتأنيب الضمير، وصار كلامنا عن السفر من أفعال الماضي البعيد، مثل: «تتذكرون حين كنا في ألمانيا تلك السنة»، أو «وين..عَدّنا بأمريكا من سنين»، أو «عيل تمر سنة وراء سنة علينا، ولا نصيّف في لندن، معقول»!
راح الحين دلع سفر زمان، حينما كان الواحد يشتهي أكلة تَهفّه نفسه عليها، فيسافر لأن أجواء وطقوس الفطور من شرفة مطلة على تلك السهول الخضراء أو الجبال المكسوة بالبياض في ربوع سويسرا ترد الروح، وتجعل النفس تعيش سعادتها، بمناسبة الفطور، لا أدري لِمَ وجبة الفطور مرتبطة بالسفر والفنادق، وبعض الفنادق وكأنها تتصدق عن عافيتها حينما تقدم الفطور متضمناً في سعر المبيت عندها، وهناك فنادق رخيصة أو عائلية خاصة في بريطانيا اسمها «Bed and breakfast» أو تختصر «B&B»، والكثير من المسافرين أول سؤال يطرحونه عند حجز الفنادق: «هل الفطور متضمن في سعر الغرفة»؟ الغريب أن الفطور في الفنادق من أغلى الوجبات سعراً، إن لم يكن من ضمن الغرفة، إخواننا الخليجيون رغم أن ذلك السؤال يصرون عليه، لكنهم يتكاسلون في النهوض، وتضيع عليهم وجبة الفطور، وحين تسألهم، تجد جوابهم: «تراه ببلاش»! ويظلون حسب التساهيل بين أن يفطروا أو يتريقوا أو يسحبونها إلى ما قبل الظهر.
على النقيض تماماً لاحظوا علاقة الأوروبيين بالفطور، وخاصة الفطور المجاني في الفنادق، هناك علاقة وطيدة، وثقة تتعزز كل يوم، ورابطة لا تنفصل عراها، تجد الواحد منهم يسحب نفسه من دفء الفراش ببيجامته، ويحضر ساعات الفطور، ولا يفوت لحظاته، وكله يقظة، وتأهب، وعاقد العزم ألا تخيب غزوته الصباحية تلك، نحن إذا ما دفعنا ثمن الفطور مسبقاً، ومن ضمن سعر الغرفة، ما «نتريق»، وبعضنا يكون دافعاً ثمنه مقدماً، وكان مصراً عليه وقتها، وحين يأتي حينه، ينطمس تحت الفراش، ويتعلث: «والله ما أشتهي اليوم.. كبدي لايعة، وأشعر بصداع»، تقول يتوحم، طبعاً لا تشتهي من قلة النوم، واضطراب ساعاته، ومن التخبيص في أكل الليل المتأخر، وإذا قام صاحبنا، قام وهو يسحب رجليه، وعيونه مغمصة، ومغمضة، وبالكاد يقدر أن يفتحهما ليبصر خطواته، ويجلس يمزّ القهوة بتكاسل وتثاؤب، ويطالع الناس بشهيتهم المفتوحة، ويتفكر فيهم، ولا يتفكر في نفسه، خاصة أن الأوروبيين يفعلون العجب في الفطور المجاني، وبالذات أولئك الذين تجد رقابهم كبر جذع النخلة، ومحمَرّة، وهناك فراغ لحمي وشحمي أسفل الفانيلة التي تظل تصغر من الغسيل، بحيث تقول إن الواحد منهم ظل طوال الليل يحفر أو يحطب، أو يكدّ السخام.. وغداً نكمل..