بقلم - بكر عويضة
من قلب مشروع مدينة «نيوم» النابض بتطلع حضاري عابر للقارات، أطلق الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، نهار الأحد الماضي، الأسئلة التالية: «لماذا نقبل أن نضحي بالطبيعة في سبيل التنمية؟ ولماذا يُتوفى 7 ملايين إنسان سنوياً بسبب التلوث؟ ولماذا نفقد مليون إنسان سنوياً بسبب الحوادث المرورية؟ ولماذا نقبل أن تُهدر سنين من حياة الإنسان في التنقل؟». تلك أربعة أسئلة تهم البشرية جمعاء، ويجوز الافتراض أنها موجهة إلى العالم كله، أوردها رئيس مجلس إدارة شركة «نيوم» في سياق كلمته خلال إطلاق «ذا لاين»، المشروع الذي سوف ينهض ضمن مدينة «نيوم» ذاتها، إنَّما بسمات تختلف بها عن غيرها من كبريات المدن العصرية على وجه الأرض. بين تلك السمات، تحرير المدينة، المطموح إنجازها خلال بضع سنين، تماماً من ضوضاء السيارات، وما تنفث عوادم محركاتها من غازات تلوّث البيئة، حتى إنها تشارك الناس في التنفس، وقد تتسلل إلى الصدور فتسبب خبائث الأسقام. أيضاً، من سمات «ذا لاين» أنها سوف تنزع عن البشر سمة كسل نشأ بسبب الاعتماد أكثر مما يجب على التنقل باستخدام المركبات، سواء السيارة، أو الحافلة، أو قطارات الأنفاق. إذا تحقق ذلك الهدف الصحي الجميل، يمكن تخيّل كيف أن «ذا لاين» سوف تذكّر ساكنيها، وغيرهم من الناس، أن الخالق وهب بني آدم وحواء الأقدام كي يستخدموها مشياً نحو أسواقهم، أو مدارسهم، أو حدائقهم، مثلاً، وليس لمجرد حبسها داخل أحذيتهم المتماشية مع أحدث صرعات الموضة، النسائية منها تنافس الذكورية، أو العكس، من نيويورك إلى لندن وباريس.
حقاً، واقع البشرية جمعاء، في مختلف بقاع الأرض، يقول بوضوح إن اجتراء الإنسان على الطبيعة، بدءاً من خواتيم القرن الماضي، تجاوز كل حد محتمل. اعتداء البشر على البيئة يكاد لم يوفر ركناً من أركانها التي يفترض كم هو واضح دورها في إسعاد الإنسان ذاته. خذ مثلاً؛ اقتلاع الأشجار، تجفيف الأنهار، تلويث البحار، ناهيك بما جرى من تلغيم الأجواء بالغازات التي تنفثها الطائرات، وما أدَّت إليه من ثقوب في الغلاف الجوي، ثم أضف إلى ذلك كله ما ألمّ بالمحيطات من المآسي البيئية، ومنها ما تسبب في انقراض أنواع من الأسماك وغيرها من أشكال الحياة المائية، فضلاً عن تعرض قمم جليدية للذوبان. بالطبع، انعكس كل ذلك في وقوع الكوارث المدمرة للحياة، من الزلازل والبراكين، إلى الأعاصير وحرائق الغابات. أليس من المشروع، إذ ذاك، التساؤل؛ ألم يأنِ لبني الإنسان التنبّه قبل فوات الأوان؟ بلى، مشروع هكذا تساؤل، ومُستحق كذلك.
ضمن هذا السياق، يجب القول إنَّ مشروع «ذا لاين» الحضاري، المتمخض من رحم طموح «نيوم» السعودي، يستحق أكثر من مجرد ترحيب إعلامي. والأرجح أنني لن أشطح بعيداً في القول إنَّ إعطاء رؤى استشراف المستقبل - التي ارتبطت بالأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز - حقها كاملاً عند التعامل معها إعلامياً، وبالقدر الذي تستحق، ليس ممكناً. نعم، بوسع كتّاب الصحف والمجلات ذوي الاختصاص، وعلى وجه التحديد أصحاب النفس الطويل في الكتابة، الغوص في أعماق جوانب تلك الرؤى، بدءاً من «رؤية 2030»، والبحث في مختلف مضامينها. هذا، بلا شك مطلوب. ويستطيع كتّاب الزوايا والأعمدة، التطرق إلى حدث محدد يرتبط بطموحات ولي العهد السعودي التطويرية. وهذا، صحافياً، واجب مِهني. لكن ذلك كله ليس كافياً لأن يفي رؤى الشاب، غير الملول، وصاحب التطلع المُستقبلي الدؤوب، ما تستحق من تناول يتعدى نطاق التعامل الإعلامي فحسب، رغم أهميته القصوى، إذ يظل وقتياً، ومن ثم محدود الصدى.
ما المطلوب، إذنْ؟ سوف أسارع، هنا، للعمل بمبدأ صحافي غير معمول به، كما يجب، عربياً، فأجيب أنني، ببساطة، لا أعرف الجواب. ليس دور الصحافي، أو كاتب الزاوية في الجريدة، أن يضع خريطة طريق، ولا أن يقترح الحلول لما يعتقد أنه بارع في تحليل ما يكتب عنه. دور الكاتب هو أن يكتب، وأدوار المهتمين، ومعهم أهل الاختصاص المعنيون، هي ابتكار الجديد من أفكار تسهم في إثراء كل جديد وتطويره، وتصب في أنهار مستقبل الناس، وترفد قدرتها على أن تروي أوسع مساحات ممكنة من عقول شبان وشابات مجتمع الغد الأفضل. حقاً، رؤى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، جديرة بهكذا مستوى علمي متخصص، من ذوي الاهتمام.