محمد سلماوي
الخاسر الثانى هو جماعة الإخوان المسلمين، التى استمر تدهورها المعنوى والتنظيمى، وهو ما تجلى فى فشلها فى تعويق الانتخابات، أو إقناع غالبية المصريين بمُقاطعتها
فى جلسة عاصفة للمجلس الاستشارى الذى شكله المجلس الأعلى للقوات المسلحة، عُقدت بمقر وزارة الدفاع، أبدى المشير حسين طنطاوى، رئيس المجلس، استياءه من الهجوم الضارى الذى كان يتعرض له المجلس العسكرى بسبب الواقعة التى اهتز لها ضمير المجتمع المصرى، حين تم سحل متظاهرة محجبة وتجريدها من ملابسها فى الشارع بواسطة بعض الجنود، وبالطبع استغل الإخوان الواقعة لتأجيج العداء للمجلس وترديد شعار «يسقط حكم العسكر!».
فى هذا الاجتماع قلت للمشير طنطاوى بلا مقدمات: سيادة المشير لا مناص من الاعتذار، فالحادثة وقعت أثناء توليكم حكم البلاد، ووقعت بواسطة جنود، لذا لن تتم تهدئة الرأى العام إلا باعتذار واضح وصريح ويا حبذا لو استقبلت الفتاة فى مكتبك.
ونزل وقع كلامى كالصاعقة على رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى انفعل وقال موجهاً كلامه للمجلس ككل: هل تدركون وقع الاعتذار على الجنود الذين يحمون منشآت البلاد الآن؟ هؤلاء جنود الصاعقة الذين يأكلون الثعابين والعقارب فى الصحراء، واعتذار القائد العام للقوات المسلحة يساوى على الفور انهيار معنوياتهم.
ثم نظر إلىَّ بشكل محدد وهو يقول: لا يا أستاذ محمد، الجندية ليس فيها اعتذارات، القائد العسكرى لا يعتذر.
فقلت محاولاً تهدئته: هذا صحيح وأنت رجل ذو سجل عسكرى ناصع لا يختلف عليه أحد، لكن الأقدار أرادت لك أن تقوم بدور سياسى، والسياسة فيها المعارضة والاختلاف والتراجع والاعتذار، ويمكن أن يصاغ الاعتذار بما يوضح أنك تعتذر للشعب المصرى عن هذا المشهد الصادم الذى يتم استغلاله الآن من جانب البعض، ليس بوصفك القائد العام للقوات المسلحة، وإنما باعتبارك المسؤول السياسى الأول فى الوقت الحالى.
وتحدث من أعضاء المجلس آخرون غيرى بمثل ما تحدثت، كل بطريقته، لكن الاجتماع انتهى والمشير غير مقتنع بأن يقدّم قائد عسكرى اعتذاراً، وظل يتحدث عن استحالة ذلك وينظر لزميليه اللذين حضرا الاجتماع قائلاً: ما تقول لهم يا سامى «عنان».. قل لهم يا عصار!!
وخرجت من الاجتماع لأقدم استقالتى من المجلس الاستشارى، بعد أن تأكدت أنه لا جدوى من وجوده، لأنه يقدم مشورة سياسية لمجلس لم يستطع الانتقال من الفكر العسكرى الذى لا يقبل المشورة إلى العمل السياسى الذى يقوم على التفاعل مع الرأى الآخر.
لقد قدّم السيسى، باعتذاره للفتاة التى تعرضت للتحرش، أول دليل على أننا لسنا تحت حكم عسكرى، وإنما نحن - كما قال، فى خطابه الأخير - فى دولة مدنية حكمها مدنى.