أحمد السيد النجار
يتوجه المصريون اليوم لصناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد تعقد عليه مصر آمالها في أن يقود البلاد لفتح بوابات المستقبل لبناء نظام جديد ينتصر لمطالب الشعب في الحرية والمساواة واحترام حقوق وكرامة الإنسان، والتنمية الاقتصادية التي تؤمن العيش الكريم وفرص العمل للمصريين، والعدالة الاجتماعية التي تكافح الفقر وتقلل التفاوت بين الطبقات وتحقق السلام الاجتماعي القائم علي التراضي.
وأيا كان من سيفوز في السباق الرئاسي فإنه سيصبح رئيسا لكل المصريين وينبغي لأنصار المرشحين العمل معا خلف من سيتم انتخابه لبناء مستقبل يليق بقيمة وقامة هذا الوطن العظيم.
وعلي مائدة الرئيس القادم سلة من التعقيدات والمشاكل وعليه أن يكون جاهزا بمجلس حرب اقتصادي-اجتماعي-سياسي لمجابهتها بمنطق الانحياز لمطالب الشعب، وبمشاركة فعالة من هذا الشعب، للانطلاق بمصر نحو المستقبل. وتتلخص العناوين العامة لتلك المشاكل في ضعف مؤشرات النمو والادخار والاستثمار وما يترتب علي ذلك من انخفاض مستويات المعيشة، وتفاقم مشكلتي البطالة والفقر، ووصول عجز الموازنة العامة للدولة لمستويات متجاوزة لكل الخطوط الحمراء بما يترتب عليه من تعملق الديون الداخلية والخارجية، والمشاكل الجمة التي تعانيها نظم الأجور والضرائب والدعم والتحويلات والصحة والتعليم والتي تفضي إلي تزايد حدة الانقسامات الطبقية والظلم الاجتماعي، وتعقيدات مشكلة رد أموال التأمينات وفوائدها إلي أصحابها من المؤمن عليهم وأرباب المعاشات، وأزمات القطاع الزراعي من المياه إلي ضعف التصنيع الزراعي وافتقاد الفلاحين الحماية في تجارة المدخلات والمنتجات.
كما سيكون الرئيس القادم أمام اختبار حقيقي وتاريخي فيما يتعلق باحترام الدستور في كل ما نص عليه بشأن الحريات العامة والشخصية واحترام حقوق الإنسان والفصل بين السلطات والتوازن بينها، واحترام استقلال الأجهزة الرقابية كآلية أساسية لمنع ومكافحة الفساد الذي استشري في مصر بصورة مروعة منذ النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين وحتي الآن. كما أن الرئيس القادم يأتي بعد ثورة 25 يناير 2011 وموجتها الثانية الهائلة في 30 يونيو 2013، اللتين استخدم حق التظاهر السلمي خلالهما كآلية رئيسية لإزاحة نظامي مبارك ومرسي... هذا الرئيس سيكون عليه إعادة النظر في قانون التظاهر الذي يقيد التظاهر عمليا، فضلا عن أن تطبيقه تم بصورة مزاجية فالتظاهرات المؤيدة للحكم لم تُسأل عن التصريح ولم يطبق عليها القانون، بينما تم تطبيقه علي التظاهرات السلمية المختلفة معه أو المعارضة له. أما تظاهرات العنف والإرهاب فإن مصر لديها سلة قوانين رادعة لها بدون الحاجة لهذا القانون الذي تم الحكم بمقتضاه علي عدد من رموز الثورة علي مبارك ومرسي والذين لم يعرف عنهم سوي السلمية في كل نضالهم وآخرهم ماهينور المصري.
وعلى الصعيد الاقتصادى والاجتماعى سيكون على الرئيس القادم مهمة كبرى لاستنهاض النمو الاقتصادى وخلق الوظائف وتمكين البشر من كسب عيشهم بكرامة من خلال العمل، بما يسهم فى مكافحة الفقر تلقائيا. ومثل هذا الاستنهاض للنمو يجب أن يتم أساسا بالاعتماد على الذات من خلال رفع معدلى الادخار والاستثمار المحليين فمستقبل الأمم يُبنى بسواعد وعقول وأموال أبنائها، مع العمل على جذب الاستثمارات العربية والأجنبية فى المجالات التى يحتاجها الاقتصاد والمجتمع فى مصر وبالذات فى الصناعة التحويلية.
آليات استنهاض النمو الاقتصادى والتشغيل
من البدهى أن أى عملية لحفز النمو الاقتصادى المتواصل ترتبط بتيار متجدد ودائم لبناء المشروعات الاقتصادية الجديدة، أى بتحقيق معدل مرتفع للاستثمار، ومعدل الاستثمار ببساطة هو قيمة الاستثمارات الجديدة كنسبة من الناتج المحلى الإجمالي.
وقد بلغ هذا المعدل فى مصر نحو 17,1% عام 2010/2011، وتراجع إلى 16,4% عام 2011/2012، وبلغ أدنى مستوياته عام 2012/2013 مسجلا 14,2% من الناتج المحلى الإجمالي، وهذه المستويات المتدنية للاستثمار، لا يمكن أن تساعد على تحقيق نمو اقتصادى مرتفع أو متوسط، بل تبقى الاقتصاد فى حالة تباطؤ أو على حافة الركود. ولإدراك الوضع البالغ السوء لمعدل الاستثمار فى مصر يكفى أن نشير إلى أن هذا المعدل بلغ 25% فى الدول الفقيرة، ونحو 29% فى الدول المتوسطة الدخل، ونحو 41% فى دول شرق آسيا والمحيط الهادئ السريعة النمو، ونحو 33% فى دول جنوب آسيا وعلى رأسها الهند، ونحو 48% من الناتج المحلى الإجمالى فى الصين. فإذا أردنا أن نحقق نموا قويا يخلق فرص العمل ويكافح الفقر والبطالة، لابد أن نسعى بقوة لرفع معدل الاستثمار فى مصر.
وحتى تحافظ مصر على استقلالها الوطنى قويا ومنيعا، لابد أن ترتكز أى زيادة فى معدل الاستثمار على المدخرات المحلية. وتشير البيانات الرسمية إلى أن الادخار المحلى كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى (معدل الادخار)، لم يتجاوز 7,2% عام 2012/2013، وهو معدل يقل كثيرا حتى عن معدل الاستثمار المنخفض للغاية (14,2%)، مما يعنى الاستدانة من الخارج لتمويل تلك الاستثمارات المنخفضة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع.
وفى ظل هذا المستوى المتدنى من الاستثمار، من الطبيعى أن يرتفع معدل البطالة ليبلغ وفقا للبيانات الرسمية نحو 13,4% من قوة العمل، أى قرابة 3,7 مليون عاطل محرومين من كسب عيشهم بكرامة من خلال عملهم وكدهم واجتهادهم.
وهناك العديد من الوسائل لرفع معدل الاستثمار من كافة المصادر المغذية له، لكنها تبدأ بضرورة توفير مستوى جيد من الاستقرار السياسى والأمني، وتطوير الإطار القانونى لتسهيل إجراءات تأسيس الأعمال والتخارج منها. ولأن الدولة قدوة مواطنيها فإنها يجب ان تعمل على رفع قيمة الاستثمار العام لضعف مستواه الراهن على الأقل، ويتم تمويل الزيادة الجديدة من الوفر الذى سيتحقق من إزالة دعم الطاقة الذى تحصل عليه الرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية فى المشروعات التى تبيع إنتاجها بالأسعار العالمية أو أعلى منها وبالتالى لا حق لها فى الحصول على أى دعم، ومن خلال رفع العائد من استغلال الثروة المعدنية والمحجرية بتغيير القانون المعمول به حاليا.
كما أن الدولة ينبغى ان ترعى وتعطى الثقة لسلسلة من الاكتتابات العامة لبناء مشروعات خاصة أو تعاونية يملكها حملة الأسهم ومضمونة النجاح فى قطاعات الأسمنت والأسمدة ومواد المحاجر والزجاج، وتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتكرير النفط والملح، والتصنيع الزراعى والاستزراع السمكى فى البحار، وتدوير القمامة ومخلفات المحاصيل وأحطابها، والتسويق التعاونى للحاصلات والخضر والفاكهة والمنتجات الغذائية.
كما أن تأسيس حضانة قومية للمشروعات الصغيرة كآلية لمكافحة البطالة والفقر لترشد العاطلين الراغبين فى إقامة مشروعات فردية أو تعاونية، إلى المشروعات الممكنة فى محافظاتهم، مع تمويلها بفائدة لا تزيد على 2%، مع فترة سماح لمدة عام، ومساعدتهم على تسويق إنتاجهم بكل السبل، يمكن أن يسهم فى رفع معدل الاستثمار وبناء جيل جديد من رجال الأعمال الشباب والوطنيين.
كما أن البنوك ستكون مدعوة لإجراء تحول جوهرى فى سياساتها لتتجه نحو تمويل المشروعات الخاصة الكبيرة والمتوسطة والصغيرة والتعاونية لتقوم بدورها الحقيقى كقلب للاقتصاد يضخ الدم (التمويل) لكل القطاعات دافعا النمو والتشغيل لأعلى، بدلا من التركيز على تمويل عجز الموازنة العامة للدولة.
وإضافة لكل هذا فإن مصر كدولة مندمجة فى الاقتصاد العالمى ستعمل على جعل هذا الاندماج قائما على أسس عادلة ومتكافئة، ويمكنها بالتأكيد فى ظل الاستقرار السياسى والأمنى المتوقع بعد الانتخابات الرئاسية أن تجذب استثمارات عربية وأجنبية كبيرة تسهم فى تعزيز النمو والتشغيل.
بناء نظام وطنى للنزاهة ومنع الفساد
يعد منع ومكافحة الفساد واحدة من المهمات الكبرى التى ستواجه الرئيس الجديد لمصر، فقد انتشر الفساد فى مصر بصورة مروعة منذ ما يقرب من أربعة عقود، وشكل عاملا رئيسيا فى سحق قيم النزاهة من جهة، وزيادة الفوارق بين الطبقات من جهة أخرى، مما أسهم فى النهاية فى تفجير الثورة على نظام مبارك. وتتركز الآليات الممكنة لبناء نظام قوى للنزاهة ولمنع ومكافحة الفساد فى وضع آليات صارمة لمنع ومكافحة الفساد من خلال قوانين قوية تتضمن عقوبات رادعة للفاسدين، واستقلالا كاملا وحقيقيا للأجهزة الرقابية عن السلطة التنفيذية، وبناء نظام عادل للأجور يحصن الموظف العام من طلب الرشوة، ونظام الشباك الواحد فى استصدار التراخيص وتأسيس الأعمال.
وهناك ضرورة لإعادة النظر فى قانون تحصين العقود من دعاوى البطلان، لأنه يشجع على استسهال إبرام عقود غير محكمة، ويحرم الشعب من حقه وواجبه فى حماية المال العام. وهناك ضرورة أيضا لإعادة النظر فى الإرساء المباشر للعقود حتى 10 ملايين جنيه، لأن ذلك يدمر قواعد المنافسة والشفافية والنزاهة، ويفتح الباب أمام الفساد. ومن المهم أيضا أن يتم تعزيز دور الرقابة البرلمانية على المال العام وعلى تصرفات الحكومة فيه، وتدعيم دور المجتمعات المحلية ومجالسها المنتخبة فى هذه الرقابة، كآلية لمنع ومكافحة الفساد.
الرئيس الجديد وقضية العدالة الاجتماعية
تعتبر العدالة الاجتماعية مطلبا رئيسيا للشعب المصرى وثورة 25 يناير وموجتها الثانية الهائلة فى 30 يونيو. وهذه العدالة الاجتماعية هى الأساس القوى والراسخ الذى يمكن بناء حالة من السلام الاجتماعى عليه، فالسلام الاجتماعى القائم على التراضى هو الأقوى والأعظم، أما أوهام بناء أى سلام اجتماعى فى ظل سياسات تكرس الظلم الاجتماعى وتعتمد على القمع، فإن ثورة 25 يناير حولتها إلى سراب غير قابل لإعادة إنتاجه مرة أخرى فى حضرة الشعب المصرى العظيم الذى لن يقبل إلا بنظام قائم على العدالة الاجتماعية. وتتحقق العدالة الاجتماعية بعدد من السياسات الاقتصادية-الاجتماعية التى يمكن تلخيصها على النحو التالي:-
1ـ توفير فرص العمل لتمكين المواطنين من كسب عيشهم بكرامة من خلال الوظائف الإنتاجية الحقيقية فى القطاعات الخاصة والتعاونية والعامة، كما ورد آنفا.
2 ـ إصلاح نظام الأجور ببناء نظام عادل به حد أدنى للأجر يكفى لحياة كريمة، لأى عامل لدى الدولة أو القطاع الخاص، ويرتفع هذا الحد الأدنى سنويا بصورة تلقائية بنفس نسبة معدل التضخم للحفاظ على قدرته الشرائية. كما يقوم هذا النظام العادل على وجود حد أقصى للأجر بالنسبة للعاملين لدى الدولة، وتوصيف مهنى ووظيفى تتحدد على أساسه الأجور، بدلا من حالة العشوائية والتباين الهائل فى أجور من يقومون بنفس الوظيفة لدى الدولة. وهذا الإصلاح للأجور لابد ان يقترن بإصلاح نظام العمل وتفعيل قواعد الثواب والعقاب.
3 ـ أموال التأمينات: يجب على الرئيس احترام ما قرره الدستور بالنسبة لأموال التأمينات باعتبارها أموالا خاصة مملوكة للمؤمن عليهم ولأرباب المعاشات، وتتمتع بكل أشكال الحماية التى تتمتع بها الأموال العامة. ويجب أن يضع خطة عملية لجدولة رد الدولة لأموال التأمينات المتراكمة كديون عليها.
وتشير الدراسة التى أعدتها الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى إلى أنه لو تم احتساب فوائد على أموال التأمينات الموجودة بحوزة الحكومة، بسعر الفائدة المصرفية السائدة فى البنوك، فإن القيمة الحالية لمجموع ما فى حوزة الحكومة وبنك الاستثمار القومى من أموال التأمينات ستبلغ 702,6 مليار جنيه، فضلا عن الـ 73,4 مليار جنيه التى تستثمرها الهيئة القومية للتأمين بنفسها، ويصبح مجموع أموال التأمينات لدى كل الجهات نحو 776 مليار جنيه.
أما لو تم حساب العائد على أموال التأمينات طبقا لسعر فائدة الإقراض وهو الأكثر عدالة وواقعية، فإن ديون الحكومة وبنك الاستثمار القومى معا ستزيد على 850 مليار جنيه.
4 ـ يجب على الرئيس الجديد أن يلتزم بما نص عليه الدستور المصرى الجديد من تخصيص نسبة 3% من الناتج القومى الإجمالى للإنفاق العام على الصحة. وتتزايد هذه النسبة تدريجيا حتى تصل إلى المستويات العالمية، لضمان توفير خدمات صحية محترمة للفقراء ومحدودى الدخل وكل من يطلب الخدمات الصحية العامة لمعالجة كل الأمراض، وضمان تقديم أجور لائقة للجهاز الطبى والتمريضى والإدارى والعمالى فى قطاع الصحة، ولضمان توفير المعدات والأجهزة الحديثة والأَسِرة الكافية لتحقيق الرعاية الصحية المجانية لمن يحتاجها بصورة لائقة ومستحقة لكل مواطنى هذا البلد العظيم.
5 ـ الالتزام بما أقره الدستور من ضرورة تخصيص نسبة 6% على الأقل من الناتج القومى الإجمالى كإنفاق عام على التعليم بكل مراحله، لتحقيق جودة حقيقية فى التعليم العام الذى يستوعب الفقراء ومحدودى الدخل وقطاعات مهمة من الطبقة الوسطى، ولتحديث المعامل والورش والمعدات والأجهزة، ولتقديم أجور منصفة للجهاز التعليمى والإدارى والعمالى فى قطاع التعليم الجامعى وقبل الجامعي، باعتبار أن تطوير التعليم هو بوابة رئيسية لمستقبل مصر وللتقدم نحو المكانة التى تليق بقيمتها وقامتها بين الأمم.
6 ـ إصلاح النظام الضريبى برفع حد الإعفاء الضريبى من 12 ألف جنيه إلى 18 ألف جنيه فى العام على الأقل، لإعفاء كل من يقل دخلهم السنوى عن هذا الرقم، من دفع أى ضريبة على الدخل.
رفع مخصصات معاشات الضمان الاجتماعى من 3,2 مليار جنيه فى الموازنة الأخيرة إلى 7 مليارات جنيه، لترتفع بذلك التحويلات الاجتماعية للفقراء للضعف، كآلية مهمة لمكافحة الفقر وتخفيف المعاناة عن الفقراء، فى الوقت الذى تعمل فيه كل سياسات التنمية الاقتصادية والتشغيل وإصلاح نظام الأجور على إنهاء الفقر فى مصر.
1ـ إصلاح نظام دعم الخبز والسلع التموينية لضمان وصوله لمستحقيه من الفقراء ومحدودى الدخل والشرائح الأقل دخلا من الطبقة الوسطى، وإبقاء دعم الطاقة للفقراء والطبقة الوسطى، وإلغاء دعم الطاقة للأثرياء وللرأسمالية الكبيرة الأجنبية والمحلية التى تبيع إنتاجها بأعلى من الأسعار العالمية.
2ـ تخصيص الأراضى التى تستصلحها الدولة فى مناطق التوسع الزراعي، للفلاحين المعدمين الفقراء أولا، يليهم خريجو التعليم الزراعى الثانوى والجامعي، لمساعدتهم على مساعدة أنفسهم وعائلاتهم بالعمل والكد والاجتهاد، ولإخراجهم من دائرة الفقر، وتعزيز مشاركتهم فى زيادة الناتج الوطنى لبلدهم.
3ـ مكافحة الغلاء غير المنطقى وأسبابه المختلفة وعلى رأسها الاحتكار الإنتاجى والتجارى عموما والاستيرادى خصوصا، وهو ما يتطلب تغيير قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار ووضع قانون يحقق هذا الهدف فعلا، والعمل على تعزيز حماية المستهلكين وأجورهم الحقيقية وحقهم فى الحصول على سلع جيدة بأسعار معتدلة مرتبطة بسعر التكلفة أو الاستيراد، وذلك من خلال توفير الحكومة للسلع المحلية والمستوردة فى مجمعات حكومية تدار بشكل كفء ونزيه وتخضع لرقابة شعبية عامة ومحلية صارمة، وتبيع السلع بأسعار معتدلة.
آليات تطوير الإيرادات العامة وتحقيق التوازن فى الموازنة العامة
تعانى مصر دائرة جهنمية من عجز الموازنة العامة للدولة الذى يتحول فى النهاية إلى ديون يتم تكبيل الأجيال والحكومات القادمة بها. وقد بلغت قيمة الدين العام المحلى نحو 1750 مليار جنيه، فضلا عن الديون الخارجية التى تجاوزت حاجز الـ 50 مليار دولار.
ويمكن تركيز إجراءات تحقيق التوازن فى الموازنة العامة للدولة فى إصلاح الإنفاق العام بترشيد قوى لدعم الطاقة، وتقليص نفقات الجهاز الحكومي. وعلى جانب الإيرادات هناك ضرورة لتعديل قانون الضرائب الحالى بصورة متسقة مع روح الدستور الجديد لمراعاة قاعدة التصاعد وتعدد الشرائح الضريبية بصورة متناسبة مع الدخل مع إحكام عملية تحصيل الضرائب. ورفع الشريحة العليا للضريبة لمستويات مناظرة لتلك السائدة فى الدول النامية الجاذبة للاستثمارات مثل ماليزيا وتركيا وتايلاند والصين والمتوسط العالمى لها الذى يبلغ 35%. وفرض ضرائب على المكاسب الرأسمالية فى البورصة، وعلى التعاملات فى البورصة لتهدئة سخونة المضاربات، وفرض ضريبة على تحويل صافى أرباح الأجانب من البورصة المصرية إلى الخارج، وفرض ضرائب على استخراج الثروات الناضبة كالنفط والغاز والذهب وخامات الأسمنت والجبس والفوسفات والتلك وغيرها من الخامات المعدنية والمحجرية. والعائد من هذا التعديل للنظام الضريبى سوف يحقق العدالة الاجتماعية من ناحية، ويوفر للدولة زيادة كبيرة فى الإيرادات العامة لتمويل نفقاتها وتقليص أو إنهاء العجز فى الموازنة العامة للدولة.
كما أن الرئيس الجديد سيكون عليه أن يعمل على تحصيل الدولة لفروق أسعار الأراضى التى تم تخصيصها للتنمية الزراعية على جانبى الطريق الصحراوى بين القاهرة والإسكندرية وغيرها من المناطق، والتى تم تحويلها إلى مناطق سكنية ومنتجعات فاخرة بالمخالفة لعقد التخصيص. وفروق الأسعار المذكورة تحقق للدولة مئات المليارات من الجنيهات.
كما يمكن للدولة أن تقوم بتحصيل الغرامات ممن قاموا بالبناء على الأرض الزراعية بصورة مخالفة للقانون، بواقع 300 جنيه للمتر المربع، على أن يسرى ذلك على كل من بنى على الأراضى الزراعية بالمخالفة للقانون من عهد مبارك (الحزب الوطنى وحوارييه) وحتى الآن. لأن تطبيق هذه القاعدة على من بنى مؤخرا دون تطبيقها على من استفادوا من فساد نظام مبارك الذى كان يُسقط القضايا عن المخالفين كرشوة انتخابية، سيشكل معالجة جزئية وغير عادلة. وقد بلغت المساحات التى تم إهدارها من الأرض الزراعية القديمة والجديدة مليونى فدان خلال الثلاثين عاما الأخيرة. ويمكن للدولة أن تحصل من تطبيق هذه الغرامة على مئات المليارات من الجنيهات كتعويضات، مع تغليظ العقوبات لمنع أى اعتداء جديد على الأراضى الزراعية، مع استخدام عائد الغرامات لحل مشكلة الإسكان فى الريف، وفى تمويل استصلاح أراض جديدة للزراعة، وتمويل إنشاء صناعات زراعية فى الأراضى الجديدة ومناطق الاستصلاح لخلق فرص العمل وسحب جزء من الكتلة السكانية بعيدا عن الوادى والدلتا.
كما أن الرئيس الجديد سيكون عليه مهمة كبرى لتطوير أداء وحدات القطاع العام والهيئات الاقتصادية ووضع قيادات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة على رأسها، ووضع ضوابط صارمة لمنع الفساد فيها، حتى يتحسن الأداء ويكون هناك فائض محول منها إلى الموازنة العامة للدولة.
ومن الضرورى ان يتم إقرار نظام جديد يفرض دخول إيرادات الصناديق الخاصة التى يتم جمع الأموال فيها بحكم السلطة السيادية للدولة، إلى وزارة المالية كإيرادات عامة، لتعزيز الإيرادات العامة للدولة، وتقليل حجم العجز فى الموازنة العامة.
حماية حقوق الفلاحين وتحديث الزراعة وتوفير المياه
كرست الحكومات المتعاقبة منذ ثلاثين عاما، أسلوبا يتسم بالعشوائية والتجاهل فى التعامل مع القطاع الزراعى مما أدى فى النهاية إلى ترك الفلاحين بلا حماية حقيقية، وتعرضهم لاستغلال مزدوج من تجار ومستوردى المدخلات الزراعية، ومن تجار الحاصلات الزراعية والخضر والفاكهة الذين يشترونها من الفلاحين بأسعار متدنية. كما أنهم يتعرضون لمنافسة غير عادلة من مزارعى الدول الأخرى التى تقدم دعما كبيرا لمزارعيها، مما أضر بمحصول القطن المصرى بضراوة، وكذلك الأمر بالنسبة لزراعة القمح، مما يقتضى مواجهة أثر السياسات الزراعية التى تتبعها الدول الأخرى وتؤثر على الفلاح المصري، من خلال سياسات تسعير ودعم فعالة.
ومن المهم أن تقوم الدولة بدور التاجر المرجح فى سوق المدخلات والمحاصيل والخضر والفاكهة، بما يعنى تدخلها وفقا لآليات السوق لتحقيق التوازن السعري، وحماية الفلاحين من الاستغلال، وحماية المستهلكين أيضا من المستغلين. وأيضا من خلال سياسة إقراض مُيسر للفلاحين الصغار بالذات بأسعار فائدة منخفضة لتمكينهم من تأسيس مشروعات صغيرة لتسمين الماشية وتربية الأرانب والدواجن والاستزراع السمكى وتصنيع الألبان والمنتجات الزراعية المتنوعة، وهى المشروعات الأعلى ربحية فى القطاع الزراعى حاليا.
وهناك ضرورة لوضع وتنفيذ خطة شاملة لتحديث قطاع الزراعة وزيادة إنتاجية الأرض والثروة الحيوانية، مع خطة شاملة للتصنيع الزراعى لإنقاذ ما يتم إهداره من الخضر والفاكهة فى ذروة مواسم الإنتاج، وتخصيص جزء مهم من الاستثمارات الخاصة والعامة لتطوير الاستزراع السمكى فى البحار، استنادا إلى تمتع مصر بشواطئ يتجاوز طولها 2800 كيلومتر على البحرين المتوسط والأحمر، بحيث إنها يمكن أن تحول مصر إلى مصدر رئيسى للأسماك فى العالم، وتستنهض صناعات تجهيز وحفظ وتعليب الأسماك بكل فرص العمل المرتبطة بها والتى ستسهم فى تخفيف أزمة البطالة.
وعلى صعيد آخر تواجه مصر مشكلة مائية حقيقية، حيث أصبحت احتياجاتها المائية نحو 70 مليار متر مكعب، بينما تبلغ حصتها من مياه النيل 55,5 مليار متر مكعب فقط، مما يجر مصر إلى استخدام جائر للمياه الجوفية فى الكثير من المناطق، واستخدام مياه الصرف المعالج وغير المعالج بصورة ضارة بالصحة خاصة لمن يستخدمونها فى زراعة أى محاصيل غذائية. وقد فاقم من هذه المشكلة، مضى إثيوبيا فى مشروعها لبناء سد النهضة دون اتفاق مع مصر رغم تأثيره الكبير على مصالح مصر المائية والكهربائية.
وإزاء قضايا المياه فى مصر لابد للرئيس الجديد من العمل وفق استراتيجية قائمة على حماية كل قطرة من حقوق مصر المائية فى مياه النيل، وطرح خطط طموح لتطوير الإيرادات المائية لنهر النيل بالمشاركة مع دول حوض النهر لمصلحة الجميع بصورة عادلة، وترشيد استخدام المياه من خلال تغييرات ضرورية فى أساليب الرى والتركيب المحصولى فى مصر.
وفى كل هذه القضايا سيكون على الرئيس الجديد أن يعمل على بناء توافق وطنى حول السياسات التى يجرى تطبيقها، حتى يضمن فعالية التنفيذ والمشاركة الإبجابية لكل القوى السياسية وبالذات شبابها فى مسيرة بناء مستقبل لمصر يليق بقيمتها وقامتها الحضارية العملاقة.