بقلم - مصطفى الفقي
أعرفه منذ ستينيات القرن الماضى عندما كنا بمنظمة الشباب الاشتراكى وكنت خريجًا حديثًا بينما كان هو موظفًا فى أحد البنوك، وغاب عنا سنوات طويلة يعمل فى الكويت فى تصنيع السجاد وتصديره فى مؤسسة عباس الهزيم، وهو كويتى شيعى ظل فريد خميس يعمل معه لسنوات إلى أن استقل بمشروعه الخاص وعاد إلى مصر فى مطلع الثمانينيات، وتركز نشاطه فى منطقة العاشر من رمضان التى يعتبر هو أبرز صروحها وأهم رجال الأعمال فيها، ولقد تميز الرجل بإيمانه أن المظهر جزء من الجوهر فكانت مقرات شركاته قطعًا معمارية رائعة ذات طراز فريد بحق، كذلك سعى الرجل إلى العالمية من خلال الجودة الملموسة فى صناعة السجاد التى جعلها مبعوثًا مصريًا فى كل مكان، وكانت قيمته الحقيقية فى أنه رجل صناعة وليس رجلًا يعمل بالتصدير والاستيراد أو استخراج بعض السلع من مصادرها الأصلية، فلم يكن جزءًا من الاقتصاد الريعى على الإطلاق، ووظف إمكاناته كلها لخدمة مصر وشعبها الذى خرج من بين صفوفه وظل ملتزمًا حياله بكل ما أوتى من قدرة على مر السنين. والرائع فى ذلك أنه اتجه إلى التعليم باعتباره قاطرة التقدم وبوابة المستقبل أمام مصر فعكف على إنشاء المدارس ثم المعاهد العليا واختتم جهوده التعليمية بإنشاء الجامعة البريطانية فى مصر التى تشرفت شخصيًا أن أكون رئيسها فى سنواتها الثلاث الأولى بترشيح منه وحماس شديد، حيث افتتحها ولى عهد بريطانيا الأمير تشارلز فكانت نقطة تحول فى التعليم الأهلى منذ عام 2005، وأعطى الرجل لهذه الجامعة كل ما يستطيع من أبرز الأساتذة الأجانب إلى المعدات المتطورة إلى الأساتذة المصريين والمصريات المعروفين بالكفاءة العالية والتميز المشهود، ولم يبخل على الجامعة فى كل مراحل وجودها إذ كان يضخ فى أصولها كل ما يجنيه من عوائدها، وإلى جانب ذلك ابتدع سنة حميدة للمائة الأوائل فى الثانوية العامة كل عام يتكفل بدراستهم وإقامتهم ومصروفاتهم حتى سنوات التخرج شريطة أن ينجحوا فى كل عام وأن يرفعوا رأسه فى كل مكان، ولقد اقتربت من الرجل لسنوات واتفقت معه كثيرًا واختلفت معه قليلًا ولكن فى الحالين كان صديقًا عزيزًا وأخًا ودودًا، والذين شاهدوا جنازته فى العاشر من رمضان أصابهم الذهول فقد خرج وراءه عشرات الألوف ممن فتح بيوتهم وعلم أولادهم، فكان دائمًا هو الملاذ والملجأ فى كل الحالات، وأذكر أن الفنانة الراحلة رجاء الجداوى كانت تقول لى دائمًا إنها لم تقصده فى دعم فنان أو فنانة فى ظروف صعبة إلا ووجدته مستجيبًا بل ومبادرًا بما هو أكثر، وأتذكر أننى اتصلت به منذ أكثر من عام أحدثه عن مرض كاتب صحفى كبير والظروف الصعبة التى يمر بها فى علاجه المكلف فقال لى يا دكتور لا تكمل الحديث سوف يكون هو ومصروفات علاجه على نفقتى حتى يتم الله عليه الشفاء، ولكن ذلك الكاتب الراحل هزمه المرض فى النهاية برغم كل المحاولات لعلاجه، وكان يبهرنى فى محمد فريد خميس قدرته على التنقل بنشاطه التجارى من أتلانتا فى الولايات المتحدة الأمريكية إلى ألمانيا وبلجيكا فى أوروبا إلى الصين فى أقصى الشرق، وأظنه فتح أبوابًا للعمل وأسواقًا للبيع كان هو بحق رائدها ومخترق الطرق إليها، وعلم أولاده كيفية الاعتماد على النفس والمشاركة فى العمل مع القدرة على اتخاذ القرار، فكانت الابنة الكبرى ياسمين هى الواعية الذكية المسؤولة عن قطاع التصنيع، والابنة المهذبة الراقية فريدة زوجة باسل أسامة الباز هى المسؤولة عن الجامعة البريطانية، بينما يتفرغ الابن الثالث محمد لشركات التنمية العقارية والزراعية، وأنا أظن أن فريد خميس كان عبقريًا فى اختيار معاونيه فى تواضع وبساطة نعرفها عنه جميعًا.
إن العمل الخيرى فى مصر الذى كان يقوم به مع بناته وشقيقاته سوف يظل قائمًا احترامًا لذكراه وتخليدًا لدوره فى خدمة فقراء مصر، ويكفى أن نعلم أنه قد تولى فرش معظم مساجد مصر وكنائسها بسجاد «النساجون الشرقيون» تبرعًا منه، وعندما أنشأت فى مكتبة الإسكندرية مسجدين متلاصقين للرجال والنساء وعلم هو بذلك منى فإذا به يرسل لى الفرش الكامل بالسجاد الراقى دون تردد وبلا تأخير، وهو الآن بين يدى ربه ندعو له بالمغفرة ونعزى أسرته ومحبيه وعارفى فضله.. رحمه الله.