بقلم - مصطفى الفقي
لا يختلف اثنان على أن الفن المصرى يتصدر القوى الناعمة التى صدرتها الكنانة إلى العوالم العربية والإسلامية والإفريقية بحيث تشكلت صورة مصر فى أذهان كثير من الشعوب من خلال الدراما المصرية والأغنية الوطنية والعاطفية فضلًا عن تأثير المسرح أب الفنون، والسينما التى جاوز عمرها فى مصر المائة عام منذ عدة سنوات فضلًا عن البث الإذاعى والإشعاع التليفزيونى ومعالجة الفن المصرى لكافة الجوانب الإنسانية فى حياة البشر، ويكفى أن نتذكر تظاهر بعض أبناء الشعب التونسى الشقيق عندما جرى إيقاف أحد المسلسلات المصرية بسبب سياسات كامب ديفيد منذ أكثر من أربعين عامًا وكيف يتابع أشقاؤنا العرب التمثيليات المصرية بشغف، ولا أنسى وأنا أجوب شوارع المغرب أنه كلما اكتشف أحد أشقائنا المغاربة أننى مصرى صاح أم كلثوم.. عبدالحليم حافظ.. عادل إمام، وأتذكر أن الرئيس التونسى الأسبق عندما جاء إلى مصر طلب أن يزور ثلاثة أماكن، الأول هو المتحف المصرى، والثانى هو لقاء فنان الشعب الراحل محمد عبدالوهاب والثالث الالتقاء بأديب نوبل نجيب محفو
تلك أيها السادة هى صورة مصر لدى غيرنا، فما بالنا نجلد الذات ونصفع الفن المصرى على وجهه المشرق دون مبرر؟! أقول ذلك بمناسبة ما ذكره أحد السادة من ممثلى الشعب فى مجلس النواب الجديد عندما دمغ الفن المصرى بالفساد فى تعميم ظالم لا مبرر له، وكان يمكن أن أتفق مع سيادته لو أنه قال: إن هناك أحيانًا بعض الأعمال الفنية الهابطة التى تفسد الذوق العام فى بلادنا، عندئذ لن يكون هناك تثريب عليه ولا لوم له، فتلك حقيقة، ولكن تمثل نسبة محدودة للغاية من أعمال ضخمة قدمها الفن المصرى فى القرنين الأخيرين منذ سعى إلى المحروسة الأدباء والشعراء والفنانون من بلاد الشام وغيرها يطلبون الأمن والأمان فى بلد يفتح ذراعيه مستقبلًا لكل المواهب والاجتهادات التى تخاطب الوجدان العربى من خلال المنبر المصرى، بل إننى أزعم أنهم قلائل أولئك الذين اشتهروا فى بلاد الشام دون الحصول على خاتم الاعتماد الفنى من مصر وأذكر منهم تحديدًا بعض أقطاب الفن مثل فيروز، ودريد لحام، وصباح فخرى وربما وديع الصافى أيضًا، إلا أن نسبة كبيرة من فنانى مصر المشهورين قد اختلطت فيهم الدماء العراقية المصرية فى حالة نجيب الريحانى، والهوية السورية فى حالة فايزة أحمد، والجنسية اللبنانية فى حالة صباح، والدماء الكردية فى حالة سعاد حسنى، فضلًا عن ابن جبل الدروز ذائع الصيت الموسيقار فريد الأطرش، لذلك فإنه يجب النظر إلى الفن المصرى باعتباره البوتقة التى انصهرت فيها مواهب الناطقين بالعربية والعازفين بالألحان الشرقية.
حتى إننا لا نجد غضاضة فى أن نقول إن المسرح والسينما فى مصر قد حظيا بمشاركة كبيرة من أشقائنا القادمين من بلاد الشام وغيرها من أقطار العروبة، من هنا فإننى أطالب السيد النائب المحترم بمراجعة مقولته لأنها لا تعد إساءة للفنانين وحدهم بل هى إساءة مباشرة للذوق العام المصرى، وعلى سيادته أن يتذكر أن عبدالوهاب، وأم كلثوم، وعبدالحليم حافظ، ويوسف وهبى وفاتن حمامة وغيرهم عشرات وعشرات هم رموز للنهضة الفنية المصرية لا يمكن تجاهل دورهم أو إنكار جهدهم فى تعزيز القوى الناعمة المصرية التى غزت تاريخيًا الأجيال المتعاقبة وكل من ينطق العربية فى بقاع الأرض، إن الفن المصرى ارتبط أيضًا بنضال الشعب المصرى فى كافة المناسبات الوطنية وكان جزءًا لا يتجزأ من الوجدان المصرى الذى يمثل جوهر الوجدان الشعبى لدولة تعيش فوق تراكم حضارى تنفرد به عن شعوب الدنيا بأسرها، كما أن الفنان المصرى يقع أحيانًا تحت طائلة انتقادات ظالمة تحمله ما لا يحتمل رغم وجود عبقريات لا يمكن إنكار وجودها، ومواهب تحتاج إلى الدعم والرعاية.. وإذا كان قد قيل من قبل إن الحاجة أم الاختراع، فإننى أضيف إليها أن الحرية أيضًا هى أم الإبداع.