بقلم - عمرو الشوبكي
يكمن معيار نجاح أى تجربة سياسية فى قدرتها على إحداث ما سمى فى أدبيات العلوم السياسية بالإصلاح المؤسسى، أى قدرة النظام السياسى على إجراء إصلاح فى مؤسسات الدولة تواكب التغيير الجديد، وليست القضية فى وسيلة التغيير.
وأذكر أنى شاركت فى ندوة منذ 9 سنوات فى العاصمة الإسبانية مدريد عن تجارب الانتقال الديمقراطى وبحضور أحد شباب ثورة يناير الذى تقريبا «عاير» الإسبان أن التغيير الذى حدث فى بلادهم كان من داخل النظام وبدون أى ثورة وانتفاضة شعبية، فرد عليه أحد شباب الباحثين الإسبان قائلا: «نعم نحن لم نقم بثورة لكن قمنا بإصلاحات ثورية» وهو كان العامل الحاسم فى انتقال إسبانيا من دولة استبدادية أقرب لدول العالم الثالث إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى.
فالقضية فى القدرة على تقديم بديل إصلاحى سواء جاء من داخل النظام أو من خارجه، وقد مثلت تجارب إسبانيا والبرتغال نماذج للإصلاح من داخل النظام القائم، بل إن عددا كبيرا من بلاد أوروبا الشرقية نجحت فى تغيير نظامها القائم من خلال ترتيبات دولية وتفاهمات داخلية بين قوى الاحتجاج والنظم القائمة دون إقصاء أو محاكم ثورية كما روج البعض عقب يناير فى مصر.
والحقيقة أن الإصلاح المؤسسى «Institutional reform» يعنى إصلاح مؤسسات الدولة كلها وإن كثيرا من تجارب دول العالم نجحت فى إجراء عملية انتقال ديمقراطى وعرفت انتخابات حرة وديمقراطية، ولكنها فشلت فى إجراء إصلاح لمؤسساتها ففشلت، وأخرى قدمت نموذجا غير ديمقراطى مثل الصين ولكنها بنت مؤسسات دولة كفئة وحديثة فتقدمت.
والمؤكد أن مصر تحتاج إلى إصلاح مؤسسى، وكشفت قضية مخالفات البناء أهمية هذه الإصلاحات، فمنظومة الفساد ظلت موجودة داخل قطاعات من الجهاز الإدارى للدولة وبين قيادات محلية كثيرة، لفترات طويلة سابقة فالمواطنون الذين خالفوا وبنوا على أرض زراعية حصل أغلبهم على تصريح بناء مخالف للقانون من قيادات محلية بأشكال مختلفة من الفساد.
والحقيقة أن المواجهة الجذرية لقضية مخالفات البناء ستبدأ حين يمنع تكرار هذه الجرائم مرة أخرى عبر جهاز إدارى كفء وشفاف وغير فاسد، وتصبح القضية الأساسية هى فى إصلاح مؤسسات الإدارة المحلية جذريا، ومحاسبة صناع جريمة البناء المخالف من داخل جهاز الدولة قبل محاسبه المواطنين الذين خالفوا.
لن يختلف تيار الديمقراطية أولا مع تيار التنمية الاقتصادية على أولوية الإصلاح المؤسسى كشرط لأى تقدم بصرف النظر عن شكل النظام السياسى، وأن أى مستقبل مشرق لن يتحقق إلا بإصلاح الجهاز الإدارى للدولة كخطوة كبرى نحو تقدم هذا البلد.