بقلم - عمرو الشوبكي
تستمد المعارضة التركية قوتها من جانبين: الأول هو النظام العلمانى الذى وضعه مصطفى أتاتورك وحال دون قيام دولة دينية فى تركيا حتى فى ظل حكم طويل لأردوغان، والثانى حيوية المجتمع الأهلى المستمد من نظام الوقف والذى جعل المجتمع التركى فى كل العصور أقوى من الدولة (رغم قوتها) حتى فى ظل الحكم العسكرى، حيث ظلت المبادرات الأهلية والشعبية البعيدة عن السياسة تتمتع بهامش واسع من الحركة والتأثير.
والحقيقة أن التنوع السياسى الموجود فى تركيا ظل موجودًا رغم القيود وحملات القمع التى قام بها نظام أردوغان فى السنوات الأربع الأخيرة حيث فصل عقب وصوله إلى سدة الرئاسة أكثر من 18 ألف شخص (وقبلها فصل 100 ألف شخص) من وظائفهم الحكومية فى الجيش والشرطة ووزارة التعليم والعدل بتهم كثير منها كيدى، أو بتهمة الانتماء لجماعة فتح الله جولن الدينية، كما اعتقل ما يزيد على مائة ألف شخص منذ الانقلاب الفاشل فى 2016 وحتى الآن، وأغلق 3 وكالات أنباء و16 قناة تليفزيونية و23 إذاعة و29 صحيفة وسجن 286 صحفيا.
ورغم قمع أردوغان إلا أن النظام السياسى التركى لا يسمح له أو لغيره أن يلغى باقى الأحزاب السياسية المعارضة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهورى وأيضا حزب خير تركيا الذى تقوده المرأة التركية الحديدية ميرال أشكنار والتى طالبت أردوغان مؤخرًا بعدم معاداة مصر.
أما حزب الشعب الجمهورى، الذى يعد أكبر أحزاب المعارضة التركية، فقد فاز لأول مرة فى تاريخه على حزب العدالة والتنمية فى انتخابات محلية على رئاسة أكبر ثلاث مدن تركيا وهى أنقرة وأزمير وإسطنبول، والتى قرر فيها أردوغان أن يعيد الانتخابات فى مهزلة حقيقية ومع ذلك خسرها مرشحه، كما حصل مرشح الحزب فى انتخابات الرئاسة على 37% من أصوات الناخبين فى انتخابات شهدت منافسة حقيقية مع أردوغان، كما يحظى الحزب بنسبة تبلغ حوالى الثلث من أعضاء البرلمان التركى.
وقد وجه كمال كليجدار أوغلو فى مؤتمر الحزب 37 الذى عقد مؤخرا فى أنقرة انتقادات حادة لأردوغان وحمله مسؤولية تردى الأوضاع الاقتصادية والسياسية فى البلاد وهاجم نظام الحزب والرجل الواحد وهيمنة سلطته على القضاء والإعلام واتهمه بتحويل الديمقراطية إلى مصطلح على ورق، وطالبه باحترام الدستور والقانون والتوقف عن استخدام نظريات المؤامرة التى لن تحل مشاكل تركيا.
علينا ألا نتوقع أن تدافع المعارضة التركية عن المصالح المصرية مثلا، وهو بالطبع أمر غير مقبول أن تدافع المعارضة الوطنية فى أى بلد عن مصالح دولة أخرى، لكن مطلوب أن يكون هناك «مقابل مصرى» لهذه التوجهات بمعنى ألا يختزل البعض تركيا فى أردوغان وحزبه وأن يحترم حيوية الشعب التركى وخياراته التى آجلاً أم عاجلاً ستصفى كثيرا من الشوائب التى أصابت علاقات البلدين.