بقلم - عمرو الشوبكي
تعرضت مصر فى الأيام الأخيرة لانتقادات كثيرة فى بعض الصحف العالمية وفى بيانات أكثر من وزارة خارجية أوروبية بجانب الاتحاد الأوروبى وأمريكا اعتراضًا على أوضاع حقوق الإنسان، وتوقيف ثلاثة حقوقيين مصريين.
وقد ردت مصر عبر وزارتى الخارجية والعدل، رافضة مبدأ التدخل الخارجى فى شؤونها الداخلية، ودون أن يعنى ذلك عدم مناقشة هذه القضية على المستوى الوطنى والداخلى.
والحقيقة أن الملف الحقوقى يحتاج إلى مراجعة بعيدًا عن أى انتقادات خارجية، وأن تعطى له أولوية كبرى، لأن مصر يمكن أن تنجز فى الملف الحقوقى الكثير، وهو ما سيعنى تحسين صورتها الخارجية وتفعيل قوتها الناعمة فى الثقافة والصحافة والإعلام بأقل تكلفة ممكنة وهو لن يحدث إلا بمواجهة أى أخطاء تتعلق بحرية الرأى وحقوق الإنسان.
والحقيقة أن الفكرة المتداولة فى الخطاب الرسمى أن حقوق الإنسان لا تتعلق فقط بالحقوق المدنية والسياسية إنما أيضا بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وقضايا الصحة والتعليم والسكن وغيرها من الحقوق الاجتماعية، وهى فكرة بديهية لا خلاف عليها ونصّت عليها المواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر.
ورغم أن مصر حققت نجاحات فى كثير من البرامج الصحية التى طبقت (100 مليون صحة)، وأيضا فى ملف مواجهة العشوائيات إلا أن التحديات التى تفرضها قضايا التنمية فى كل بلدان العالم الثالث مازالت كثيرة وتجعل إمكانية القضاء على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية المتراكمة أمرًا لا يمكن أن يتحقق فى يوم وليلة.
بالمقابل، فإن مصر تستطيع مواجهة أى تدخلات خارجية فى شؤونها الداخلية وتقف فى وجه انتقادات ليست كلها حسنة النية، بإجراء إصلاحات «غير مكلفة» فى مجال حقوق الإنسان وتفتح الطريق أمام صورة ذهنية جديدة لبلد ينمو ويتقدم ويحترم حقوق مواطنيه فى الاقتصاد والسياسة، وبصورة تدعم التماسك الوطنى وتقف فى وجه الإرهاب بالحفاظ على كرامة الناس، التى تعتبر جزءا أصيلا من ثقافتنا وقيمنا الأساسية بعيدا عما يقال فى الغرب أو كما جاء فى قول الله تعالى: «ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ».
يقينًا الحرب ضد الإرهاب ووجود قوى التطرف والتحريض مازالت تمثل تحديًا أمام بناء الديمقراطية وتبنى مفاهيم حقوق الإنسان فى مصر، وهو أمر يستلزم التمييز بين رفض الديمقراطية وحقوق الإنسان كقيم عليا لا يمكن رفضها والتركيز على أولوية محاربة الإرهاب وتحقيق التنمية الاقتصادية دون تجاهل قيم حقوق الإنسان.
مطلوب اعتبار قضية حقوق الإنسان فى مصر قضية وطنية تناقش داخليًا فى ظل اعتراف بصعوبة التحديات المحيطة وبالأخطاء أيضًا، ورفض تسييس الخطاب الحقوقى.