بقلم : عمرو الشوبكي
حزين على رحيل الدكتور الجنزورى لأسباب شخصية وموضوعية، فقد عرفت الرجل عقب كتابة مقال فى «المصرى اليوم» فى 2006، انتقدت فيه مشروع توشكى، فاتصل بى وناقشنى برقة وبمنطق علمى يؤكد أن حماسه للمشروع لم يكن عشوائيًا، إنما عكَس رؤية متكاملة، بصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف معها، ومنذ ذلك الحين أصبحت من المترددين على مكتبه فى مدينة نصر طوال الفترة التى هُمِّش فيها أثناء حكم مبارك، وقابلت العديد من رجال الدولة المحترمين معظمهم «على المعاش»، واقتربت من الرجل على المستويين الإنسانى والفكرى، فكان مستمعًا جيدًا، ومعتزًا بنفسه دون غرور، وصاحب رأى ورؤية.
عقب ثورة يناير، التقينا مرات عديدة، حتى انتُخبت نائبًا فى برلمان 2011 عن دائرة الدقى والعجوزة وإمبابة، فكان أول المهنئين، وكان وقتها قد أصبح رئيس وزراء مصر، وهنا اكتشفت قدراته الاستثنائية فى الإدارة واتخاذ القرار.
وقد عرضت علية مشروعًا لتنمية آخر 14 فدانًا خالية فى منطقة أرض اللواء، اشتغل عليه أهالى وشباب المنطقة بمهنية عالية، ووضعنا مشروعًا للخدمات العامة يضم مستشفيين ومجمع مدارس ومركزًا شرطيًا وحديقة عامة، صممها مهندسون شباب، وتقوم على فكرة الشراكة وكسر «الجيتوهات» بين أحياء مصر، وكان المقصود المهندسين من ناحية وأرض اللواء من ناحية أخرى.
أذكر أن مَن عرضت التفاصيل الفنية لهذا المشروع، فى اجتماع مع الدكتور الجنزورى، فى مقر مجلس الوزراء، مهندسة حديثة التخرج، من أرض اللواء، (هناء جاد)، وقدمته بشكل مبهر نال حماس الراحل الكبير، ولم يتعامل مع ما طرحته باستهانة باعتبارها مواطنة صغيرة فى السن، ومن خارج جهاز الدولة، وظل يسألنى عنها وعن باقى المجموعة حتى آخر لقاءاتنا.
خصص الرجل قطعة الأرض للمنفعة العامة، وكان من أشد المتحمسين لهذه الشراكة بين الدولة والمبادرات الأهلية (غابت بغيابه)، وبدأنا رحلة البحث عن التمويل المطلوب، ولكن للأسف لم يستمر الدكتور كمال فى الوزارة، بقرار إخوانى، نجحنا فى تأجيله حين حالوا سحب الثقة من حكومته عن طريق البرلمان، وفى نفس الوقت كان هناك صراخ بعض قوى المراهقة الثورية ضد الرجل الذى لم يعرفوه.
ضاعت على مصر فرصة حقيقية لكى يترك رجل بوزنه وقيمته بصمة أكبر فى المجال السياسى وليس فقط فى المجال العام والإدارى.
سيبقى الدكتور كمال قيمة كبيرة. أثّر فى كثيرين، وأنا منهم، وأشهد على إخلاصه ونزاهته ووطنيته الحقيقية بدون شعارات. وعزاؤنا أنه بين يدى الله العدْل الرحيم العليم ببواطن الأمور.
آخر لقاء كان منذ عام، وآخر اتصال تليفونى كان منذ شهر، وعرضت عليه أن أزوره فى بيته مادام لا يذهب إلى المكتب، ولكنه قال: «إن شاء الله حبقى كويس وأشوفك فى المكتب»، ولكنها هى مشيئة الله.
اللهم ارحمه واغفر له بقدر ما أخلص وأعطى لهذا البلد