بقلم - عمرو الشوبكي
فى كل مناسبة وطنية يستدعى البعض عصرى عبدالناصر والسادات ليس من أجل النقاش أو الخلاف حول توجهات كل رجل، إنما بمنطق إهالة التراب على أحدهما وتمجيد الآخر وتنزيهه من أى خطأ. وحتى نصر أكتوبر، الذى مثل لحظة إجماع وطنى، لم يخل من محاولات البعض تصوير عبدالناصر على أنه رجل الهزيمة والسادات بطل النصر، أو استهانة البعض الآخر بشجاعة قرار الحرب الذى اتخذه السادات واعتبار أكتوبر مجرد «حرب تحريك» أراد السادات أن يوظفها من أجل الدخول فى تسوية منفردة مع إسرائيل. والحقيقة أنه لولا حرب الاستنزاف التى خاضها عبدالناصر عقب هزيمة 67 (يتحمل مسؤوليتها الأولى) لما كان نصر أكتوبر ولما عبر الجيش المصرى قناة السويس، وأنه لو لا شجاعة قرار السادات بعبور القناة ونجاحه فى وضع خطه خداع استراتيجى متكاملة لما كان نصر أكتوبر.
الحقيقة أن أهمية عبدالناصر فى تاريخ مصر المعاصر جوهرية لأنه حرر البلد من الاحتلال وقاد التحرر الوطنى فى العالم الثالث كله وأسس النظام الجمهورى على أنقاض النظام الملكى وهو الزعيم الأكثر شعبية فى تاريخ العرب الحديث وأن شرعية نظامنا السياسى مازالت مستمدة من مبادئ ثلاثة وضعها عبدالناصر وهى الدولة الوطنية والنظام الجمهورى والدستور المدنى بصرف النظر عن عيوب نظامه السياسى، فستظل أمرا متغيرا يختلف عن جوهر مشروعه ومبادئه فى العدالة الاجتماعية والتحرر الوطنى.
أما السادات فيمكن اعتباره مؤسس «مدرسة اليمين العربى» الجديدة، وأول من امتلك جرأه التعبير عن قناعاته بشكل صريح على عكس من فاوضوا إسرائيل فى السر ورفعوا شعارات المقاومة والممانعة فى العلن.
يقينا السادات كان وطنيا وأن تخوينه من قبل البعض جريمة كبرى لأنه فى النهاية قام بمبادرة ووقع اتفاقية سلام مع إسرائيل أعاد بمقتضاها أرض محتلة إلى حضن الوطن، أى أنه اجتهد بصورة منفردة لاستعاده أرض محتلة ولم يفرط فيها حتى يتهم بالخيانة.
صحيح اختلف كثيرون (ونحن منهم) على نتائج هذا السلام المنفرد على مصر، وعدم قيام الدولة فى السنوات الماضية ببذل مزيد من الجهود لكسر القيود التى فرضتها كامب ديفيد على دور مصر العربى، وعدم الاستفادة من التسوية السلمية فى بناء نموذج اعتدال مدنى ديمقراطى ملهم للمنطقة العربية، وهى كلها أمور ليس لها علاقة بالوطنية والخيانة إنما تتعلق بالتوجه والمدرسة السياسية.
الكلام المبتذل الذى يردده البعض أو القلة بحق الزعيم عبدالناصر والرئيس السادات يجب أن يظل بين جماعات الهامش، وعلى مؤيدى الرئيسين أن يعترفا بقيمتهما فى تاريخنا المعاصر، حتى لو اختلفت أدوارهما، فعبدالناصر هو القائد المؤسس لنظامنا الجمهورى وبطل تحرير مصر والمنطقة من الاستعمار، والسادات هو صاحب رؤية سياسية وطنية بصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف معها.