بقلم - عمرو الشوبكي
عرفت تجارب الثورات عبر العالم، مؤيدين ومعارضين، حدث ذلك فى مصر مع ثورة 1919 وثورة يوليو وثورة يناير، وهى الثورات الأبرز فى تاريخ مصر المعاصر، ولا يزال حتى الآن يختلف حولهم الناس، حتى من حكم منها وأجرى أعمق تغييرات اجتماعية وسياسية فى تاريخ مصر المعاصر (ثورة يوليو)، أو لم يحكم مثل ثورة يناير. والمؤكد أن الثورات عرفت نماذج متعددة فى التغيير، منها نماذج تحولت من نظام للحكم إلى نظام للقيم، مثل الثورة الفرنسية التى كان ثوارها نموذجا سيئا فى الحكم والتصفيات المتبادلة، ولكنها تحولت عبر تراكم زمنى طويل إلى نظام للقيم فى الحرية والمساواة والإخاء يحكم النظام السياسى القائم. وهناك الثورات التى حكمت، مثل الثورات الشيوعية فى القرنين التاسع عشر والعشرين، والتى كانت جميعها ثورات لإسقاط النظم القائمة وتدمير الدولة؛ لأنها ببساطة حملت مشروعا أيديولوجيا بديلا، يؤسس لدولة شيوعية مناقضة للدولة القائمة، ولذا لم يكن غريبا أن يسقط ملايين الضحايا فى الثورة الشيوعية فى روسيا، وأن تدخل البلاد فى حرب أهلية «ثورية» يحارب فيها الجيش الأحمر نظيره الأبيض، وينتصر الأول، وتؤسس الدولة السوفيتية والنظام الشيوعى الذى سرعان ما انهار مع بداية التسعينيات من القرن الماضى. ومع سقوط الاتحاد السوفيتى ودول الكتلة الاشتراكية، ومع التغيرات العميقة التى أصابت بنية المجتمعات الحديثة، اختفى مفهوم الثورات التقليدية التى تسقط النظام وتفكك الدولة من تجارب التغيير التى شهدها العالم فى نصف القرن الأخير، وتغيرت أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وكثير من الدول الإفريقية والآسيوية، عبر نموذج وصفناه فى مقال لنا فى 2012 «بالثورات الإصلاحية» أو الانتفاضات الشعبية التى غيرت النظم القائمة وأصلحت مؤسسات الدولة ولم تسقطها، بل اعتبرت أن سقوط الدولة هو علامة فشل وليس مؤشر نجاح كما يتوهم البعض، وكانت الثورتان التونسية والمصرية معبرتين عن هذه المعانى فى تجارب ما اصطلح على تسميته بالربيع العربى. والمؤكد أن يناير بمعيار الحكم والانتصار لم تحكم، ومع ذلك فإنها من النوع الذى سيبقى لأن قيمها وأحلامها ومشروعها مستمرة (بعيدا عن تقييم الفاعلين فيها أو من قادوها)، حتى تصوغ شكل النظام السياسى، لأنها ببساطة إنجازها الوحيد أنها جعلت الشعب المصرى رقما فى معادلات الحكم والسياسة، وقضت على مشروع التوريث، وأجبرت رئيسًا حكم 30 عاما على التنحى بإرادة شعبية من الناس (حتى لو كان لديه إيجابيات).
اختلف مع يناير كما تريد، ولكن لا تختلف على حقك فى أن يكون لك صوت وكرامة وترفض الظلم وتسعى لبناء وطن حر فيه عدالة وقانون وديمقراطية، وإذا آمنت بهذه القيم وعارضت يناير فتأكد سواء اليوم أو غدا أنك ستكون جزءًا من مشروعها وحلمها الكبير.
رحم الله شهداء ثورة يناير.