بقلم : عمرو الشوبكي
النظام الرئاسى الديمقراطى هو الأفضل للنظم الجمهورية، خاصة في عالمنا العربى ودول الجنوب، فالبلاد التي انتقلت نحو الديمقراطية في أمريكا الجنوبية مثلًا اختارت جميعها النظم الرئاسية وابتعدت عن النظم البرلمانية أو شبه البرلمانية، دون أن يعنى ذلك اختفاء مشاكلها.
أما تونس فقد اختارت الخيار الأصعب وهو نظام شبه برلمانى أو مختلط، شبيه بما روّج له الإخوان وبعض التيارات الثورية والمدنية عقب ثورة يناير في مصر، وتجاوزته الوثيقة الدستورية في 2014 لصالح نظام شبه رئاسى.
والحقيقة أن مشكلة النظام البرلمانى في بلدان تعانى من ضعف الأحزاب ومن مشاريع تمكين لكثير من التيارات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان، تجعل همّ رئيس الوزراء اليومى أن ينجو من تصويت سحب الثقة في البرلمان، فإذا كان لديه وزير أو أكثر محدود الكفاءة، فإنه سيفكر مرات قبل أن يقيله حتى لا يسحب الحزب أو الكتلة التي ينتمى إليها هذا الوزير الثقة من الحكومة، ومع الوقت تضيع مشاريعه السياسية والاقتصادية أمام حرصه على عدم إغضاب الكتلة البرلمانية لهذا الحزب أو ذاك، حتى يبقى في الحكم. وهذا على عكس النظام الرئاسى الذي يقوم على إعطاء صلاحيات واسعة، ولكن غير مطلقة، لرئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من الشعب وليس البرلمان، ويخضع للمراقبة من قبل الشعب الذي يحق له دون غيره سحب الثقة من رئيس الجمهورية في استفتاء وفق الدستور المصرى (وليس البرلمان أو مجلس الشيوخ)، ويحال لمحكمة خاصة في الجرائم الكبرى، ولا يحق له البقاء في الحكم أكثر من مدتين غير قابلتين للتمديد، كما أن هناك نظمًا رئاسية تعطى بعض الصلاحيات لرئيس الوزراء مثل فرنسا، وتُعرف بالنظام شبه الرئاسى (الأقرب للواقع المصرى)، وتبقى الصلاحيات الرئيسية لرئيس الجمهورية باعتباره رأس السلطة التنفيذية، ويحق له وفق الدستور المصرى اختيار وزراء الدفاع والخارجية والداخلية والعدل، أي ما يُعرف بوزراء السيادة.
والسؤال: لماذا النظام الرئاسى أفضل للبلاد النامية من النظام البرلمانى؟ الحقيقة أن في أي بلد نامٍ يعانى من مشكلات فقر وبطالة، وفساد وانهيارات حقيقية في الصحة والتعليم والخدمات العامة، يحتاج إلى رئيس لديه برنامج طموح للإصلاح، وأن كثيرًا من برامج النهضة في العالم ارتبطت بأشخاص دعموا بناء المؤسسات وطوروها (مهاتير محمد ماليزيا، ديجول فرنسا، لولا دى سيلفا البرازيل) وكانوا مستمعين لصوت الشعب ومعبرين عنه ويحترمون مؤسساته.
إن هندسة نظام سياسى على مقاس أغلبية أو أقلية برلمانية كارثة على مستقبل أي بلد، والأزمة الرئيسية في تونس ترجع لوقوعها في فخ وجود رأسين للسلطة التنفيذية، أحدهما قادم من البرلمان، وهو رئيس الحكومة، والثانى قادم بانتخابات حرة من الشعب، وهو رئيس الجمهورية، والنتيجة هي شلل النظام السياسى برمته وعجزه عن مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية الجسيمة.