بقلم - عمرو الشوبكي
حسم الجدل لصالح مشروع السد العالى، وتراجع حديث تصفية الحسابات السياسية حول المشروع الهندسى الأهم فى القرن العشرين، فمن يحب عبد الناصر يدافع عن السد العالى، ومن يكرهه يشتم فيه، إلى أن تيقن كل مصرى طبيعى أن السد العالى كان مشروعًا قوميًا عظيمًا، لأنه كان من الشعب ولصالح الشعب، وأنه حمى مصر من جفاف قاتل فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى ومن فيضانات مدمرة معظم الوقت، وأنقذ حياة ملايين المصريين من موت وخراب ديار.
السد العالى ملحمة علم وسياسة وإنجاز فى ظروف غاية فى الصعوبة، سواء بمسار تمويله الذى أدى إلى تأميم قناة السويس وهزيمة القوى الاستعمارية، أو عبقريته الفنية، فقد بلغ حجم جسم السد 43 مليون متر مكعب من أسمنت وحديد ومواد أخرى، ويمكن أن يمر من خلاله تدفق مائى يصل إلى 11،000 متر مكعب فى الثانية الواحدة، كما أنه نجح فى التحكم فى تدفق المياه والتخفيف من آثار فيضان النيل، كما قللت بحيرة ناصر من اندفاع مياه الفيضان وخزنتها للاستفادة منها فى سنوات الجفاف.
وأدى السد العالى إلى زيادة مساحة الرقعة الزراعية من 5.5 إلى 7.9 مليون فدان نتيجة توفر المياه، وعمل أيضاً على زراعة محاصيل أكثر على الأرض، مما أتاح ثلاث زراعات كل سنة والتوسع فى زراعة المحاصيل التى تحتاج كميات كبيرة من المياه لريها، مثل الأرز وقصب السكر، كما أنه أدى إلى تحويل المساحات التى كانت تزرع بنظام الرى الحوضى إلى نظام الرى الدائم.
والحقيقة أن مشاهد كثيرة جرت فى القارة الإفريقية، سواء كانت فيضانات أو جفافا، حسمت الأمر لصالح قيمة وأهمية السد العالى بصرف النظر عن التقديرات السياسية لعصر جمال عبد الناصر.
ومع ذلك فإن من يحزنه أن يجد مميزات لعبد الناصر فعليه فقط أن يتعامل بمهنية وبحسابات المكسب والخسارة مع مشروع بهذا الحجم وغيره من المشاريع الكبرى، وينحى جانبا هذا القدر من الهيستيريا فى التعامل مع كثير من إنجازات هذا البلد بصرف النظر عن الرئيس الذى قام بها.
يقينا السد العالى حمى مصر من أخطار وجودية، ويقينا أيضا أنه لم يضر بالسودان أو أى بلد آخر، وغير مسؤول عن كارثة الفيضانات التى ألمت بالشعب السودانى الشقيق، كما تروج قلة كاذبة بالقول: إن إغلاق بوابات السد أدى إلى تفاقم كمية المياه فى السودان، فى حين من المعروف أن المياه لا تعود فى اندفاعها إلى الوراء، خاصة أن الخرطوم تقع فى مستوى ارتفاع أعلى بكثير من مستوى السد العالى.
يقينا السد العالى مشروع وطنى عظيم لمصر لم يضر بالآخرين، وهذا ما لم يفهمه الإثيوبيون حين يصرون على بناء سد من حقهم أن يعتبروه وطنيا، بشرط ألا يضر بالآخرين.