بقلم : عمرو الشوبكي
هناك قرارات حكومية صحيحة من حيث المبدأ والهدف، وخاطئة ومرتبكة من حيث التطبيق، تكرر ذلك مرات كثيرة وآخرها ما طرح بخصوص تسجيل العقارات فى الشهر العقارى، حيث لم يخرج مقترح الحكومة بشكل واضح ليناقشه الناس على بينة، إنما ترك الأمر «لوضع رمادى» غير معروف بالضبط طبيعة رسوم نقابة المحامين أو الرسوم الإدارية التى تضاف على مبلغ 2 ونصف فى المائة المقترح كمقابل لتسجيل كل وحدة.
واللافت أن اعتراضات الناس فى مرات كثيرة لم تكن على مبدأ القرار، فقد تقبل الكثيرون رفع الدعم عن البنزين وتعويم الجنية واعتبروا أن فيه جانبا من الرشادة خاصة مع تعويض نقدى للفئات الأضعف فى المجتمع (لم يتم بالصورة المطلوبة)، بما يعنى أن هناك كثيرا من القرارات التى اتخذت من أجل الإصلاح الاقتصادى تقبلها الناس رغم قسوة بعضها.
وبعدها دخلنا العام الماضى فى الأزمة الأصعب وهى غرامات أو هدم (تراجعت عنه الدولة بقرار رئاسى) أو تصالح مع أصحاب العقارات المخالفة، أو التى بنيت على أرض زراعية.
والمؤكد أن المخالفين أخطأوا ولكن ليسوا وحدهم إنما شاركهم قيادات كثيرة فى الأجهزة المحلية، والمطلوب إصلاح هذه المؤسسات والأجهزة حتى لا تتكرر مثل هذه المخالفات، ولا يبدو الهدف الوحيد وكأنه جلب المال إنما إصلاح المنظومة التى أنتجت هذه المخالفات.
وجاءت قضية الشهر العقارى وتكرر نفس الحوار مع شقق وعقارات اشتراها الكثيرون بالجهد والعرق والغربة، ومعروف أن كثيرا من هؤلاء لم يسجلوا عقاراتهم فى الشهر العقارى نظرا لارتفاع تكلفته أو لوجود ثقافة عند البعض أن الحكومة تقدم خدمات محدودة، وبالتالى لن ندفع لها أى ضرائب، وابتكر الكثيرون صيغة «صحة التوقيع» لتفادى مصاريف التسجيل الباهظة. وعادت الحكومة وطالبت الناس بدفع 2.5% من ثمن الوحدة بأثر رجعى فى مقابل التسجيل فى الشهر العقارى، بجانب «نثريات» أخرى مازالت غير واضحة ومحل جدل ورفض، تجعل المبلغ الذى يدفع أكبر من تلك القيمة.
نعم تسجيل أى وحدة فى الشهر العقارى مطلوب وهو سند قاطع للملكية وفى صالح الجميع حكومة وشعبا، ولكن قيمته يجب أن تكون محدودة وتتناسب مع قيمة الوحدة أو طبيعتها وقت الشراء، حتى يكون الهدف يحمل البعدين: تحصيل ضرائب للدولة، وأيضا حصر الثروة العقارية ووجود سند قاطع للملكية.
طرح المقترح بهذا الشكل بدا وكأن هدفه جلب الأموال من الناس وتحميلهم أكثر من قدراتهم، ففى كل بلاد العالم هناك مصاريف تسجيل وهناك ضرائب يدفعها مالكو العقارات، ولكن فى مقابل خدمات تقدم للمواطنين فى الصحة والتعليم والخدمات العامة والمحليات وإعانات البطالة والسكن الاجتماعى وغيرها، وإذا كنا لا نطالب الحكومة بأن تقدم للشعب ما تقدمه حكومات الدول المتقدمة فعليها أيضا ألا تتعامل مع الشعب وكأن دخله مثل السويد أو فرنسا.