بقلم - عمرو الشوبكي
دولة القانون هى أساس أى نظام سياسى متقدم أو راغب فى التقدم، سواء كان هذا النظام ديمقراطيًا أو غير ديمقراطى، وإن الدساتير والقوانين التى يضعها بمحض إرادته حكامه أو عبر اختيارات شعوبه هى التى تنظم كل مناحى الحياة وليس الأهواء الشخصية والمصالح الضيقة.
وكثيرًا ما يلح البعض على تكرار مظاهر مخالفات الشعب المصرى للقانون، وكيف تخالف الشعوب العربية ومعظم دول العالم الثالث القوانين، وكيف أن كثيرًا من الناس يعيثون فى الأرض فسادًا وفوضى وعشوائية ليقدموا للبعض المادة الخام لبناء نظرية فاشلة تقول إننا شعوب جاهلة غير مؤهلة للديمقراطية ولا للتقدم، مستندين إلى بعض السلوكيات التى تتسم بالتخلف والبذاءة والانحدار الأخلاقى والمهنى.
والسؤال الذى يجب طرحه: لماذا يتجاهل البعض الإطار العشوائى الذى يعيش فيه معظم الناس وعدم احترام الحكومات وكبار المسؤولين للقانون والدستور، ثم نطالبهم بعدها باحترام القانون فى ظل سياق سياسى غير قائم أصلًا على دولة القانون؟
يقينًا، إن ممارسة السياسة والانتخابات فى دولة القانون تعنى أن هناك رادعًا قويًا للمرشحين والناخبين يفرض عليهم الالتزام بالقواعد والقوانين، وأن تكون بداية التطبيق من أعلى وليس فقط على الناس «الغلابة».
إهدار القانون أو تطبيقه حسب الهوى والمزاج يعنى إعطاء رسالة للشعوب بأن تخالف القانون كلما استطاعت، كما أنه يكرس نمطًا من الصراع السياسى لا يفيد المجتمع ولا يساعد على تطوره، ويفتعل معارك لا علاقة لها بواقع الناس ولا مشاكلهم، وتتحول القضايا الهامشية والتافهة إلى «نقاش عام» دون أن تتحرك الدولة لردع المخالفين أو تصويب الحوار طالما أن الضحايا من الشعب.
حين يغيب القانون ويُمنع من محاسبة المخالفين تتولد شريحة محصنة، ويبدأ الناس فى فقدان ثقتهم فى القانون فيخالفونه كل يوم، فى الشوارع، وفى البناء، وفى المرور، وفى الانتخابات، وفى مختلف مناحى حياتهم اليومية، لأن الدولة تراجعت عن لعب دور الضامن لتطبيق القانون وحراسة العدالة.
صحيح أن هناك جوانب أخرى تتعلق بسلوك المجتمع وثقافته ودرجة تحضره التى تحدث عبر تراكم سنوات طويلة كرسته وحمته دولة القانون، وليس نتيجة أسباب «جينية» تعتبر أن التحضر واحترام القانون نابعٌ من جنسية شعوب بعينها، لا من سياق سياسى واجتماعى فرض بالقانون سلوكيات التحضر والتقدم.
نظريات الشعوب الجاهلة غير المهيأة للديمقراطية ولا التقدم لا تنظر للسياق السياسى المحيط، فلو طبقنا قانون الحد الأقصى للإنفاق على الدعاية الانتخابية لواجهنا بالقانون المال السياسى ومظاهر الرشاوى الانتخابية، وشجعنا شرائح كثيرة من المجتمع انسحبت من المشاركة فى العملية الانتخابية بعد أن شهدت تجاوزات وأخطاء جسيمة نابعة فى معظمها من عدم تطبيق القانون واستكمال بناء دولة القانون.