بقلم : عمرو الشوبكي
تواصل معى أحد الأصدقاء السودانيين بمناسبة زيارة رئيس الوزراء السودانى للقاهرة، متسائلًا إذا كنت مازلت متمسكًا بفكرة الرجل/ المشروع الجسر، وأبدى تحفظًا عليها لأنه تصور أنها ستعنى الاتفاق على شخص فى «قعدة عرب» تختاره النخب والمؤسسات، بدلًا من الاختيار الشعبى فى انتخابات تنافسية.
والحقيقة أن جوهر فكرة الرجل الجسر أنها تعنى من ناحية التفاهم بين أطراف متضادة على الرجل الجسر، والانتخابات الحرة الديمقراطية من ناحية أخرى، أى أن الخطوة الأولى لا تلغى الثانية.
فكرة الرجل/ المشروع الجسر جرت فى كثير من المجتمعات عقب مراحل الانتقال الصعبة، التى تعانى فيها البلاد ليس فقط من انقسام سياسى إنما أيضًا من انقسام مجتمعى كبير لا يحتمل تعبئة سياسية وانتخابية تعمقه، كما جرى فى مصر عقب ثورة يناير، إنما إلى تقديم مرشح للانتخابات يكون نتاج توافق بين قوى كثيرة تعظم فرص نجاحه.
يعانى السودان من انقسام بين الجماعات المحافظة والتقليدية وبين القوى المدنية والثورية، كما يعرف انقسامًا بين الأحزاب التقليدية وجماعات مسلحة وقَّعت فى جوبا على اتفاق سلام ولديها طموحات مشروعة داخل العملية السياسية، وهناك خلافات بين المكون العسكرى وكثير من القوى المدنية، كما أن طول المرحلة الانتقالية لا يخلق بالضرورة تفاهمات بين أطرافها، إنما قد يعمق من الخلافات الموجودة التى يُؤجَّل حسمها لحين لحظة الانتخابات.
ولنا أن نتصور فى حال أقدم السودان على انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد انتهاء المرحلة الانتقالية، ونجح مرشح يمثل طرفًا من أطراف الصراع السياسى والانقسام المجتمعى، فهذا سيعنى تعمق الاستقطاب الداخلى والصراع الطرفى على السلطة، والتحريض المتبادل بدلًا من حل مشاكل الناس وإعادة بناء مؤسسات الدولة التى خربها حكم البشير، وفتح الباب أمام تدخل الجيش السودانى أو قوات الدعم السريع (بظهير شعبى) لمواجهة فشل المسار السياسى.
فى السودان، مثل مصر عقب يناير، هناك من يتظاهر لنصره الشريعة، وهناك من يتظاهر لمحاسبة قتلة الثوار، وهناك من يتظاهر بسبب الغلاء وسوء الأحوال الاقتصادية، كل هؤلاء بكل تناقضاتهم الثقافية والسياسية لا يمكن مقارنتهم بالانتخابات التى تجرى فى البلدان الديمقراطية المستقرة بين اليمين واليسار، حيث الخلافات على جزئيات وعلى برامج وليس على مشاريع كبرى تتناقض مع مشاريع القوى المنافسة لها جذريًا.
يحتاج السودان إلى وجود (ودعم) رجل جسر بين النظامين القديم والجديد، وينال توافق ودعم أغلب مكونات المرحلة الانتقالية، ويخوض الانتخابات وهو معبر عنها دون أن تتصور قوى الثورة أنه سيكون «واحدًا منها»، إنما سيكون الرجل الذى سيضمن حقوقها فى التنظيم والحركة، وأن يبنى مسارًا سياسيًا ودولة قانون قادرة على تحويل معظم أعضاء التيارات الثورية من قوى احتجاجية تجيد الاعتصام والتظاهر إلى قوى منظمة حزبيًا ومؤسسيًا تقدم سياسات بديلة، وقادرة على الحكم والنهضة بالسودان