د. وحيد عبدالمجيد
كتبتُ عن محمود الغندور وصديقه إسلام يكن اللذين انضما إلى تنظيم «داعش» فى هذه الزاوية يوم 8 أكتوبر 2014،
تحت عنوان «مصريون فى داعش». كان يكن قد استقر المقام به فى «دولة الخلافة» المزعومة، بينما عاد صديقه إلى مصر وانقطعت أخباره بعدها إلى أن ظهر أخيراً فى «فيديو» وأعلن انضمامه إلى «داعش».
كانت رسالتى حين كتبتُ عن الغندور ويكن قبل ما يقرب من خمسة أشهر صريحة ومحددة مؤداها أنهما ليسا إلا جزءاً من قشرة على سطح ينبغى أن ننفذ إلى أعماقه قبل فوات الأوان. فلا يستطيع أى تنظيم مهما بلغت قدرته أن يُجنَّد أعضاء إلا فى بيئة مجتمعية سياسية تفتقد المناعة اللازمة لمقاومة الاختراقات المختلفة. وهذا هو جوهر المشكلة التى تواجهنا، فى الوقت الذى لا نعرف بعد كم من شبابنا ذهب إلى «داعش»، وكم سيذهب، فضلاً عن أعداد من سوف «يتدعشون» وهم مقيمون بيننا دون أن يغادروا.
وإذا كانت هذه البيئة فى مصر تنتج تطرفاً وتعصباً يدفع البعض إلى أحضان الإرهاب، فهى تفتقر فى الوقت نفسه الحيوية اللازمة لدمج شبان غير متطرفين فى مؤسساتها السياسية والاجتماعية وتحول دون شعورهم بالضياع. فيكن والغندور لم يكونا متطرفين دينياً، ولكنهما كانا ضائعين مثل كثير من الشباب الذى يشعر بالخواء والضآلة فى دولة العواجيز التى تسد طريق المستقبل أمامهم.
ولذلك يستجيب بعض هؤلاء الشباب إلى دعوات تستغل حالتهم هذه، وتوهمهم بأنهم سيحققون أنفسهم ويعملون من أجل قضية كبيرة ونبيلة يندمجون فيها دون أن يعرفوا فحواها وحقيقتها.
ولا يختلف الشباب من هذا النوع فى منطقتنا عن نظرائه الأوروبيين أصلاً أباً عن جد، الذين يلتحقون بالإسلام حين يذهبون إلى «داعش» اعتقاداً فى أن راياته السود هى التى تحمل الخير للعالم، مثلما آمن أسلافهم فى أجيال سابقة بأن الرايات الحمر هى رمز تحرير هذا العالم وذهبوا وراء جيفارا فى أمريكا اللاتينية وإلى حيث كان هوشى منه يقاتل فى آسيا.
وقد تزامن بث «فيديو» انضمام الغندور إلى «داعش» مع إعلان هذا التنظيم أن بيار شوليه (أبو طلحة الفرنسي) نفذ عملية بشاحنة مفخخة فى الموصل. وما يجمع بين شوليه الفرنسى الكاثوليكى الأصل والغندور هو أنهما لم يجدا فى مجتمعيهما, لأسباب مختلفة لا مجال لها هنا، ما يتيح لكل منهما أن يحقق نفسه، فسهل إقناعهما بأن تنظيماً يحمل كل هذا العنف يعمل من أجل تغيير العالم وتحريره من الظلم.