د. وحيد عبدالمجيد
ليست جديدة، ولا هى غريبة، عودة رموز النظام الأسبق الذى اندلعت ضده إحدى أنبل ثورات العصر الحديث فى 25 يناير. حدث مثل ذلك بدرجة أو بأخرى، وفى شكل أو آخر، فى معظم الثورات الشعبية.
كما حدث فى بعض تلك الثورات ما هو أبعد كثيرا مما نراه الآن مع عودة رموز نظام حسنى مبارك إلى السلطة عبر انتخابات مجلس النواب. ففى بعض الثورات، عاد الحكام الذين خُلعوا «بشحمهم ولحمهم»، أو نوابهم وورثتهم، إلى قمة السلطة. حدث ذلك قبل سنوات قليلة فى أحد أهم البلاد التى شهدت جيل الثورات السابق مباشرة على «الربيع العربى»، حين عاد الرئيس يانوكوفيتش إلى الرئاسة بعد 4 سنوات على الثورة الأوكرانية، وقبل إزاحته مجدداً فى 2013.
وحدث مثله أيضاً فى أول ثورة شعبية كبرى فى التاريخ الحديث، حين عادت أسرة آل بوربون إلى القصر الملكى عام 1815، وجلس لويس الثامن عشر فى مقعد لويس السادس عشر الذى أعدمه الثوار بعد أربع سنوات على تلك الثورة.
وربما يحيلنا مشهد تدافع رموز نظام مبارك للعودة الآن إلى كتاب الأديب الفرنسى فرانسوا دى شاتوبريان عن نابليون بونابرت وآل بوربون، رغم اختلاف الظروف والتفاصيل، والتغير الهائل الذى حدث فى العالم كله على مدى أكثر من قرنين.
كان شاتوبريان من مؤيدى بونابرت، الذى تطلع إليه معظم الفرنسيين عام 1799 وابتهجوا لتوليه السلطة واعتبروه المنقذ أو المُخَّلص من الاضطرابات المترتبة على الثورة، قبل أن ينقلب عليه ويؤلف هذا الكتاب فى هيجائه، وليس فقط فى نقد أدائه فى الحكم، وينشره عام 1814.
كان العنوان الكامل للكتاب هو: (بونابرت عن آل بوربون وضرورة انضمامنا إلى أمرائنا الشرعيين من أجل سعادة فرنسا وأوروبا). ويختزل هذا العنوان موقف شاتوبريان، الذى انقلب على نابليون بونابرت وأيد عودة أسرة آل بوربون، ورأى فيها السلطة المشروعة بعد أن كان قد أشبعها هجوماً.
وقد نُشر الكتاب فى الوقت الذى بات واضحاً أن سلطة بونابرت تتهاوى, وأن أسرة آل بوربون تستعد للانقضاض على فرنسا مجدداً.ولم يخجل المؤلف من أن يضع فى هذا الكتاب روايات عن بونابرت كان هو نفسه قد فّندَها من قبل حين كان مؤيداً له.
ومن سخرية التاريخ أن يموت شاتوبريان فى العام الذى شهد موجة ثورية كبرى أطاحت أسرة آل بوربون مرة أخرى وأخيرة، بعد أن تأكد أنها لا تملك إلا القمع وتأجيج الصراع ونشر البؤس فى أرجاء البلاد.