بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ليس مستغرباً أن يحقق الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء نقلة نوعية جديدة فى منهجية التعداد العام الذى أُعلنت بعض عناوين نتائجه قبل أيام. النقلات النوعية فى أى عمل لا تحدث بدون تراكم مستمر وأفكار متجددة. وهذا هو ما يلاحظه المتابعون لعمل الجهاز بقيادة اللواء أبو بكر الجندى منذ فترة طويلة.
وليت الاهتمام بنتائج هذا التعداد، ومراجعة السياسات العامة فى ضوئها، يكون على قدر العناية التى أُجرى بها. وتدل العناوين التى أُعلنت، وهى ليست إلا نذراً يسيراً بالضرورة مما يتضمنه، على أنه يحوى ثروة معرفية كبيرة ينبغى أن نُحسن استثمارها.
يحتاج هذا التعداد إلى قراءة تفصيلية فاحصة لأن العناوين التى أُعلنت لا تكفى لبلورة رؤى وتصورات لما ينبغى مراجعته فى ضوء ما توصل إليه. كما أن بعض ما أُعلن لم يكن مجهولاً، مثل وصول عدد سكان مصر إلى أكثر من مائة مليون، لأن تقارير الجهاز فى الأعوام الأخيرة حملت هذا المعني.
وقل مثل ذلك عن الانخفاض النسبى فى نسبة الأمية، والارتفاع المؤلم فى أعداد غير الملتحقين بالتعليم والمتسربين منه. أما التكوين الشاب للمجتمع المصرى فهو معروف وواضح، وأكدته تقديرات الجهاز قبل إجراء التعداد العام.
ولذلك يبدو أن أهم ما ينبغى أن نقف أمامه فى العناوين التى أُعلنت عن نتائج التعداد هو ثبات نسبة توزيع السكان بين الريف والحضر رغم أن معظم الزيادة السكانية تحدث فى المناطق الريفية. ويعنى ذلك استمرار الهجرة من الريف إلى الحضر. وتُعد هذه الهجرة ظاهرة صحية فى البلدان التى تشهد تقدماً مطرداً فى الصناعة، سواء التقليدية أو الجديدة، وفى الخدمات الحديثة، وتضع خططاً فى الوقت نفسه لتطوير الريف وتحسين أوضاعه والارتقاء بالزراعة.
ويختلف الأمر فى مصر لأن الانتقال من الأرياف يحدث هرباً من تدهور الأوضاع فيها. ضاق الريف بأهله، وهُمشت مناطق واسعة فيه، وتراجع الإنتاج الزراعى كماً وكيفاً، فاشتد الضغط على مدن لا يستطيع النشاط الاقتصادى فيها استيعاب المتدفقين إليها، وكثُرت المناطق العشوائية فيها وحولها.
ولذلك نتوقع أن يكشف التعداد أبعاداً جديدة لهذه الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التى تفرض إعطاء أولوية قصوى لوضع سياسة زراعية مختلفة من أجل إنقاذ أريافنا التى تحتضر.