بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لم نكن فى حاجة إلى انتظار نتائج الانتخابات الإسرائيلية لمعرفة أن ما أُطلق عليه يسار صهيونى انتهى، أو كاد. حصل الحزبان الممثلان لهذا اليسار (العمل وميريتز) على أقل من عشرة فى المائة من مقاعد الكنيست.
وهذا تطور طبيعى, وليس تعبيراً عن أزمة عارضة, لأن الأحزاب التى وُصفت بأنها يسار أدت وظيفة تاريخية فرضتها الظروف التى تمكنت فيها الحركة الصهيونية من تأسيس إسرائيل. لم يكن فى إمكان من يُشبهون بنيامين نيتانياهو حينئذ أداء تلك الوظيفة لأسباب تتعلق بمتطلبات إقامة كيان مصنوع فى قلب فلسطين.
كان أمثال دافيد بن جوريون هم المؤهلين لأداء تلك الوظيفة0
فقد تطلبت ظروف تلك المرحلة منهجاً معيناً اعتمد على تنظيم الصهاينة فى كيانات تُشبه فى شكلها، وليس فى محتواها، مؤسسات ارتبطت باليسار فى العالم، مثل اتحاد العمال «الهستدروت»، والمزارع الجماعية، وقيماً مرتبطة بها مثل الجماعية، والتقشف، لتوظيفها فى عملية التأسيس.
وكان من ارتدوا ثوب اليسار، وأحزابهم التى كان حزب عمال أرض إسرائيل «ماباى» بقيادة بن جوريون بدايتها، هم الأقدر على أداء تلك الوظيفة التاريخية. وتصدرت هذه الأحزاب، التى اندمجت فى حزب العمل عام 1968, النظام السياسى الإسرائيلى لما يقرب من ثلاثين عاما، حتى بدأت أحزاب أخرى تصعد بدءا من عام 1977 لأداء وظيفة تاريخية ثانية تكمل تلك التى قام بها اليسار.
فقد تمكن هذا اليسار من تأسيس إسرائيل على أكثر من 70 فى المائة من أرض فلسطين، ثم احتلال الجزء الباقى فى حرب 1967. وكان على تيار آخر أن يكمل ذلك الإنجاز عبر توسيع الاستيطان فى الأراضى المحتلة فى تلك الحرب تمهيداً لتصفية قضية فلسطين.
وعندما فرضت الظروف التفاوض مع الفلسطينيين، فى إطار تلك العملية التاريخية، عاد ما يُعرف بـ «اليسار» لإنجاز هذه المهمة عبر اتفاق أوسلو 1993, وأخذ دوره فى التلاشى تدريجياً بعد ذلك. ولا يعنى هذا أن توزيعاً منتظماً للأدوار اتُفق عليه فى إسرائيل.
فما حدث كان تطوراً طبيعياً تكاملت فيه المهام وفق متطلبات هذا التطور، ولكن دون أى اتفاق بين من قاموا بها.