بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لا يجد القوميون المتطرفون في أوروبا صعوبة في إقناع أعداد متزايدة من الناخبين بأن الهجرة تمثل خطراً عليهم بسبب سلوك أمثال لاعب كرة القدم مسعود أوزيل ذي الأصل التركي، الذي اعتزل اللعب مع المنتخب الألماني بدلاً من أن يعتذر عن ظهوره وزميله إيلكاي جيوندوجان، في صورة مع الرئيس التركي أردوغان.
خالف أوزيل القواعد المنظمة للعبة، والتي تحظر اتخاذ مواقف سياسية، لأن الصورة التي هوجم بسببها في ألمانيا كانت جزءاً من دعاية أردوغان الانتخابية. تصرف زميله جيوندوجان بطريقة صحيحة، وأعلن اعتذاره عن ظهوره في هذه الصورة. لكن أوزيل تبجح، وهاجم من انتقدوه في مواقع التواصل الاجتماعي في ألمانيا، وربما تخيل أن السلطة العثمانية خرجت من مرقدها في التاريخ، وأن هذا الذي ظهر في الصورة معه هو الخليفة الذي يأمر فيُطاع. أظهر غضباً لا يليق بمخطئ حتي النخاع، وزعم في بيان أصدره أن انتقاده ينم عن عنصرية، وقرر معاقبة البلد الذي فتح ذراعيه له، وأتاح له فرصة يحلم بها ملايين الشباب في العالم، فأعلن أنه لن يلعب مرة أخري ضمن منتخب ألمانيا.
كان أداء أوزيل متواضعاً للغاية في المونديال، وأبقاه المدير الفني للمنتخب الألماني علي دكة البدلاء في المباراة الوحيدة التي فاز بها في دور المجموعات قبل أن يغادر المسابقة. بدا أوزيل، الذي يتهم ناقديه بالعنصرية، متعجرفاً، وقدم خدمة كبري لأنصار غلق جميع الأبواب أمام المهاجرين. وظهر الفرق واضحاً بين خلفيته الثقافية البائسة، وثقافة المجتمعات المتحضرة، عندما تعاطف معه كثيرون رغم الخطأ الجسيم الذي ارتكبه، والعجرفة التي تصرف بها.
فقد أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الألمانية أن المستشارة أنجيلا ميركل تُقدَّر أوزيل، وتدعو إلي احترام قراره، وتؤكد أن الرياضة تسهم في اندماج المنحدرين من أصول غير ألمانية، وأن تحقيق هذا الاندماج مهمة أساسية للحكومة.
وعلي المستوي الحزبي، شكر نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي أوزيل ضمن رسالة وجهها إلي (كل المواطنين والمواطنات من أصول غير ألمانية: نحن ننتمي إلي بعضنا البعض، ولابد أن نبقي كذلك).
فما أبعده الفرق بين ثقافتين.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: الأهرام