بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
استغرقت المواعظ الدينية أكثر من نصف ساعة من إجمالى 46 دقيقة هى مدة أول تسجيل صوتى لزعيم تنظيم «داعش» الإرهابى أبو بكر البغدادى منذ أن توالت الهزائم عليه، قطع هذا التسجيل الشك باليقين، وأكد أن البغدادى مازال حياً، بخلاف ما قيل عن مقتله فى إحدى الضربات الجوية التى شنتها طائرات روسية فى يونيو الماضى على مجموعة من قادة التنظيم على مشارف مدينة الرقة السورية.
عاد البغدادى ليخاطب أتباعه ويحاول لملمة فلولهم الذين يقومون بعملية إعادة تموضع فى مناطق الصحراء الواسعة بين سوريا والعراق، أو ما يُسمى بالباديتين. خطاب البغدادى هذه المرة أغلبه وعظ ولكن ليس هرباً من واقع الهزيمة، بل أمل فى تحفيز إرهابيى التنظيم على التماسك، ومحاولة التخفيف عنهم.
من يسمع الشريط، الذى بثه موقع «الفرقان» الإلكترونى التابع لتنظيم «داعش» يلاحظ الفرق الجوهرى بينه وبين الخطبة المشهورة التى ألقاها من على منبر جامع النورى الكبير فى الموصل وأعلن فيها الخلافة يوم 29 يونيو 2014.
كان شعار البغدادى وقتها «الدولة الإسلامية باقية وتتمدد». ولكن أقصى ما يطمح إليه اليوم أن يبقى التنظيم الذى انكسرت شوكتة. وينسجم ذلك مع ما يحدث على الأرض بالفعل، من خلال عملية إعادة التموضع فى مناطق صحراوية، ونشر مقاتلين فيها، وتوجيه بعضهم لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة سواء فى العراق وسوريا مثل العملية التى استهدفت جنوب مدينة الرمادى فى 27 سبتمبر الماضى، أو فى دول أوروبية، إلى جانب استنفار من تأثروا به فى هذه الدول ليصبحوا «ذئاباً منفردة» تضرب حيث تقدر.
يطمح البغدادى أيضاً إلى المحافظة على ما يُسمى الولايات التابعة له فى عدد من البلدان, والوصول إلى مناطق جديدة وسط آسيا وشرقها.
غير أنه لا ينبغى المبالغة فى أهمية بقاء البغدادى حياً أو مقتله، لأن قطع رأس الأفعى لا يعنى موتها0 فقد استمر تنظيم «القاعدة» بعد مقتل أسامة بن لادن فى مايو 2011. والبغدادى ليس أكثر أهمية فى ساحة الإرهاب من بن لادن، حتى إذا كان يتميز بقدرة غير عادية على استغلال الصراعات الضارية فى المنطقة لملء أى فراغ هنا أو هناك.