د. وحيد عبدالمجيد
رجل مبادئ وأخلاق ونصير للعدل والحرية والكرامة قبل أن يكون رجل دين. لا يتوقف عن إسداء النصح إلى الحكام والحكومات من أجل عالم أقل ظلماً وجوراً وفقراً وطغياناً وإهداراً لكرامة البشر. ولكن نصحه هذه المرة كان موجهاً إلى المشرّعين أيضاً عندما وقف أمام مجلسى الكونجرس الأمريكى قبل أيام، حيث اكتظت قاعة مجلس النواب بأعضائهما معاً كما لم يحدث منذ وقت طويل.
نصح الحبر الأعظم البابا فرانسيس بالمحافظة على الحريات وحمايتها خلال محاربة الإرهاب، وقال إن (مكافحة التطرف لا تكون على حساب الحريات الفردية)، ودعا إلى إدراك أهمية (إيجاد توازن حساس لمكافحة العنف، مع المحافظة فى الوقت نفسه على الحريات).
وكما جرت العادة فى خطب البابا فرانسيس، اقترن حرصه على الحرية بدفاعه عن العدالة الاجتماعية ومختلف صور العدل فى جميع المجالات. ولذلك كان طبيعياً أن يحث على وضع حد للفقر والتفاوت الاجتماعى ليس عن طريق العمل الخيرى فقط ولا فى المقام الأول، ولكن عبر سياسات تؤدى إلى تحقيق الإنصاف للجميع. ورغم معرفته بوجود أغلبية فى الكونجرس ترفض سياسات العدالة الاجتماعية، وتتبنى التوجهات «النيوليبرالية»، لم يتردد فى التنديد بما أسماه الرضوخ لسلطة المال، وإدانة ما أطلق عليه «رفع السوق إلى مرتبة إلهية». وقد قال ذلك أمام نوَّاب وشيوخ يعبد بعضهم المال ويقّدسون السوق. وأعاد البابا تأكيد هذه المبادئ فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد ساعات على خطابه أمام الكونجرس، مضافاً إليها دعوة حارة إلى حماية الأقليات الاثنية الدينية والعرقية وغيرها, حفظ الحقوق والحريات الفردية.
وإذا كان علينا أن ننصت إلى نصائحه هذه كلها، تبدو نصيحته المتعلقة بالديمقراطية فى مقدمة هذه النصائح. فقد أثار فى كلمته أمام الأمم المتحدة قضية الحد من السلطة السياسية عن طريق توفير المقومات اللازمة لحكم القانون والعدالة. وكم كان ملهماً حين قال: (لا يجوز لأى شخص أو مجموعة من الأشخاص أن يحتكروا السلطة، ويعطوا أنفسهم صلاحيات تؤدى إلى انتهاك الكرامة الإنسانية وحقوق الأفراد والجماعات).
وليس هذا إلا قليل من كثير قاله بابا الفاتيكان المهموم بآلام البشر فى كل مكان، وحامل المبادئ السامية التى نادراً ما يبشر رجال الأديان المختلفة بها.