د. وحيد عبدالمجيد
الإعلام ينقل المشهد السياسى بجوانبه المختلفة، ويغطى التطورات التى تحدث فيه، ويُحلَّل الاتجاهات التى تنطوى عليها هذه التطورات.
ولكن عندما تغيب السياسة أو تضمحل، يختلف دور الإعلام الذى يجد المجال مفتوحاً أمامه لملء الفراغ المترتب على ذلك. وعندما تغيب أيضاً أخلاقيات الإعلام والقواعد المهنية التى ينبغى أن يعمل على أساسها، تزداد تجاوزاته وانحرافاته وتبلغ ذروتها فى وسائله المرئية أو الكثير منها.
ولذلك يُعد التدهور المتزايد فى أداء معظم الإعلام المرئى فى مصر الآن أحد التداعيات السلبية للفراغ السياسى الذى ينطوى على اختلالات أخرى كثيرة. فتمدد الإعلام فى الملعب السياسى الفارغ ليس دليل قوة أو قدرة على التأثير. فبمقدار ما يتمدد الإعلام المرئى بصفة خاصة فى هذا الفراغ، يتراجع أداؤه ويتدهور.
وإذا بدا أن الإعلام يؤثر فى اتجاهات الرأى العام فى لحظة أو أخري، فلا يعود ذلك إلى قدرته بل إلى رغبة القطاعات التى تتأثر به فى الاحتفاظ بالأمل أو التعلق به. وحتى فى هذه الحالة يظل لتأثير الإعلام حدود لا يمكن تجاوزها، على النحو الذى رأيناه مثلا فى الانتخابات الرئاسية العام الماضى مما أدى إلى مدها يوما ثالثا، وفى كل الأحوال، يظل تأثير الإعلام على الرأى العام فى ظل الفراغ السياسى جزءاً من الحالة غير الطبيعية التى تترتب على هذا الفراغ. أما حين تكون الساحة السياسية حية تفيض بالحيوية، يمتنع تأثير الإعلام مهما بلغت قوته على النحو الذى رأينا مثالاً مهما له فى الانتخابات الإسرائيلية قبل أيام.
فقد تمكن نيتانياهو من الفوز رغم الهجوم الكاسح الذى تعرض له من معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية. فقد بلغ هذا الهجوم مبلغاً لا سابق له. ولذلك لم تكن هناك مبالغة فى قول أحد أنصار نيتانياهو عشية الانتخابات إنه يتعرض إلى «مذبحة إعلامية».
ولم يترك مهاجمو نيتانياهو فى الإعلام نقيصة إلا الصقوها به، بدءاً من الفشل السياسى والاقتصادى والإخفاق العسكرى وليس انتهاءً بالفساد والإفساد. كما نالت زوجته سارة نصيباً وافراً من هذا الهجوم.
غير أنه عندما توجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع، تبين أن الإعلام لا يستطيع أن يصنع اتجاهات الرأى العام حين تكون الساحة السياسية فى حالتها الطبيعية، وعندما تُجرى الانتخابات بالنظام الذى يزيدها حيوية وهو القائمة النسبية المطبقة فى إسرائيل.