د. وحيد عبدالمجيد
الانتخابات هى أحد مقومات الديمقراطية. ولكن الديمقراطية ليست مجرد انتخابات، بل مؤسسات سياسية وأحزاب ومنظمات مدنية تعمل وفق قواعد يوجد
توافق عليها ويحترمها الجميع. والديمقراطية، قبل ذلك وبعده، هى ثقافة وقيم. فلا يمكن الحديث عن الديمقراطية دون ثقافتها التى تشمل منظومة قيم فى مقدمتها الحرية والمساواة الحقيقية وكرامة الإنسان واحترام الآخر والحوار والتسامح والتنافس الحر.ولذلك لا يكفى إجراء انتخابات للقول بوجود ديمقراطية. ففى كل بلاد العالم تجرى انتخابات على مختلف المستويات. ولكن نحو نصف هذه البلاد فقط وأكثر قليلاً هى التى توجد فيها ديمقراطية.
ولذلك كثيراً ما يتصادف أن تُجرى انتخابات فى بلدين أحدهما ديمقراطى والآخر ليس كذلك فى الأسبوع نفسه. ولكن المسافة بينهما ربما تقاس بالسنوات الضوئية، رغم أن الفرق الزمنى بينهما أيام معدودات.
فلا وجه للشبه بين انتخابات ديمقراطية وأخرى ليست كذلك إلا فى الشكل، حيث يوجد مرشحون وناخبون ولجان اقتراع توجد فيها صناديق وبطاقات انتخاب. غير أن المرشحين فى الانتخابات الديمقراطية غيرهم فى انتخابات تجرى فى ظل نظام غير ديمقراطى. وقل مثل ذلك عن ناخبين يختارون بين أحزاب وبرامج وخيارات متعددة وفق ما يراه كل منهم محققاً للمصلحة العامة فى انتخابات ديمقراطية، وآخرين لا يميزون بين المرشحين الا وفقاً لأموالهم وعطاياهم وما «يجودون» به، أو تبعاً لقوة عصبياتهم المحلية ونفوذها فى انتخابات تؤدى عادة إلى برلمان له من اسمه نصيب.
وكذلك الحال فيما تعلق بإجراءات العملية الانتخابية. فقد تكون صناديق الاقتراع متشابهة تماما هنا وهناك، وكذلك تصميم بطاقة الانتخاب. ولكن شتان بين إجراءات تبدو مثل زعُرسس يتوجه إليه المدعوون فى أجواء ديمقراطية ويُقبلون على اختيار من يرونهم جديرين بأن يمثلوهم، ولا يشكو أحد من مخالفات أو انتهاكات، ولا يحدث طعن إلا نادراً، وأخرى تظهر كما لو أنها «مولد» يعج بالتوتر والصخب، ويبحث معظم المشاركين فيه من مرشحين وناخبين عن مصالح خاصة أو شخصية ويحدث فيها تلاعب بأشكال مختلفة سواء قبل يوم الاقتراع أو خلاله.
فما أبعدها المسافة بين عرس يحتفل الناس فيه بحريتهم ويؤكدون خلاله دورهم فى إدارة الشأن العام، و«مولد» يؤدون فيه طقوساً شكلية ويعرفون أنهم لا دور لهم فيه. إنه الفرق بين شكل الانتخابات ومضمونها.