محمود مسلم
آفة مصر قبل وبعد 25 يناير، هى نخبتها التى ألقت بالوطن فى حجر الإخوان، ثم استفاق بعضهم مع آهات الشعب، بينما الآخرون ما زالوا يعزفون أناشيد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان فى بلد منهار أمنياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، والأهم انهيار الكفاءات ومنها النخبة، لقد خرج البعض كالعادة ينظر فى قضية إخلاء بعض مساكن السيناويين على الحدود مع غزة ويحذر من مغبة هذا القرار وينذر بعواقب وخيمة داخلياً وخارجياً مما ترك انطباعاً لدى الرأى العام بأن سيناء ستزلزل النظام الحالى، لكن الواقع كشف عن أمور أخرى أبرزها أن الحكومة والجيش استطاعا إنهاء إجراءات الإخلاء بسرعة وهدوء وحسم ورضا معظم السكان وأن المعترضين فئة قليلة منهم.
لم تستوعب «النخبة» أن أهل سيناء أدرى بشعابها وأن الجيش هو الأجدر والأقدر على تفهم مطالبهم، لأن الثقة بين القوات المسلحة وأهالى سيناء أكبر بكثير من أن يدركها نحانيح النخبة الذين اعتادوا ركوب أى موجة شعبية واستغلال مناطق فقدان الثقة بين السلطة والناس وبالمناسبة نفس السيناريو تكرر من قبل فى أزمة رفع الدعم وزيادة الأسعار، حيث راهنت الحكومة على رفض الشعب فخرجوا يتفلسفون ويرفضون رغم قناعاتهم الداخلية بصحة الإجراء لكن الشعب كان أذكى وأوعى، كما كرروا ذات الانتقادات المعلبة «سابقة التجهيز» مع «فخ حرب غزة» وأزمة انقطاع الكهرباء، لكن الناس البسطاء بفقرهم وجهلهم ومعاناتهم كانوا أكثر استيعاباً للأحداث وأدركوا أن البلد فى حالة حرب وجود تستدعى الاصطفاف، خاصة أن هناك رئيساً يثقون به وبإخلاصه، والغريب أن بعض من اعترضوا، من مؤيدى «السيسى»، ولكن يبدو أنه كان تأييداً تحت ضغط الموجة الشعبية الجارفة.
لقد مر السيسى باختبارات صعبة: «رفع الدعم»، و«انقطاع الكهرباء»، و«حرب غزة» وأخيراً الحادث الإرهابى الغاشم والإجراءات الاستثنائية بإعلان الطوارئ فى سيناء وإخلاء الشريط الحدودى من السكان واعتبار منشآت المرافق مناطق عسكرية، لكن توفيق الله ووعى المصريين جعل الرئيس الجديد الذى لم يمكث فى منصبه سوى 5 أشهر أن يعبر كل ذلك رغم الاستهدافات الداخلية والخارجية وتشوش النخبة وخيبتها، والتى ورطت مصر على مدى 4 سنوات فى سقطات كثيرة وبدلاً من أن تتقدم النخبة لتنوير الناس وتوعيتهم بالمخاطر والتحديات الداخلية والخارجية دخل بعضهم فى صفقات مشبوهة مع الإخوان، بينما أدت رعونة البعض وقصر نظرتهم إلى تدهور الأحوال وضياع ثورة 25 يناير، وإذا اعتمد عليهم ثوار 30 يونيو فكانوا سيلقون نفس المصير، والواقع أثبت أن الشعب تفوق على نخبته وقاد التغيير فى مصر بعد أن أعيته النخبة بأخطائها ومصالحها وخيبتها وغياب الأولويات عنها.
الغريب أن النخبة التى سقطت فى اختبار الحدود لم توجه انتقاداتها إلى حركة حماس التى تدبر المؤامرات ضد مصر أو إلى ظاهرة الأنفاق التى اخترقت الأمن القومى المصرى، وأدت إلى استشهاد عدد كبير من الجيش والشرطة ولم يعتذروا عن مخاوفهم بعد اكتشاف أنفاق كبيرة وصل أحدها إلى 1700 متر أثناء هدم المنازل على الحدود بل راحوا يسوقون فرية جديدة بأنه إذا جرت عملية إرهابية بعد الإخلاء فليتحمل «السيسى» المسئولية ونسوا أن الأنفاق من أهم أسباب الإرهاب، لكنها ليست كل الأسباب، لكن على الأقل فإن هدم الأنفاق سيحقق لمصر الحفاظ على حدودها من المتآمرين والخونة وسيمنع تكرار حادث كبير مثلما حدث فى العريش مؤخراً.
** على النخبة مراجعة نفسها قبل فوات الأوان حتى لا ينفصل عنهم الشعب المصرى نهائياً بعد تكرار سقوطهم فى كل الاختبارات وآخرها فى قضية إخلاء السكان من الحدود!!