دولة “الخلافة الاسلامية” الثانية في حلب في طور التحضير على يد الحاضنة التركية السعودية القطرية وعاصفة “ام المعارك” تتبلور في ظل الاتفاق التركي الامريكي على فرض “الحظر الجوي” و”سايكس بيكو” الجديد انتقل الى مرحلة التطبيق الفعل
لم يكن من قبيل الصدفة ان يصعد الرئيس السوري بشار الاسد في هجومه الشرس ضد جاره التركي، مستغلا لقائه مع ادوارد نالبانديان وزير خارجية ارمينيا، الذي حل ضيفا على دمشق في مثل هذا الظرف الحرج الذي يندر فيه زوار العاصمة السورية لاسباب معروفة، فتركيا تقود هذه الايام مخططا لاقامة “منطقة عازلة” في شمال غرب سورية تحت قيادة المعارضة الاسلامية السورية المسلحة، التي تدعمها بقوة، قد تتطور الى “دولة حلب” السنية، فيما هو قادم من ايام.
السيد مولود جاويش اوغلو وزير خارجية تركيا كان اول من افصح عن هذا المخطط، وبعض تفاصيله، عندما اعلن الاسبوع الماضي عن التوصل الى “اتفاق مبدئي” مع واشنطن بتقديم دعم جوي للمعارضة السورية في منطقة حلب، وقال ان اي تدريب او تسليح للمعارضة السورية ليس له اي قيمة في ظل الغارات الجوية للنظام السوري وما تقذفه من براميل متفجرة على المناطق التي تسيطر عليها هذه المعارضة.
القلق من هذا المخطط ظهر في المؤتمر الصحافي الذي عقده السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري مع نظيره الارمني، عندما قال ان “تركيا ترتكب اعمالا عدائية في سورية وان استخدام طائرات غير سورية في الاجواء السورية هو عدوان من حقنا الرد عليه بما نملكه من امكانيات”.
***
وما زال من غير المفهوم ما اذا كانت القيادة السورية تملك الامكانيات للرد على الطيران التركي الحديث والمتطور في حال اختراقه لاجوائها، وفرض منطقة حظر طيران فوق المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وخاصة “جيش الفتح”، المظلة التي ينضوي تحتها اكبر فصيلان مقاتلان قويان وهما “جبهة النصرة” و”احرار الشام”، وعدة فصائل اخرى اقل قوة، ونحن نتحدث هنا عن ادلب وجسر الشغور، واجزاء كبيرة من حلب وريفها، فحتى هذه اللحظة لم تصدر اي معلومات مؤكدة حول ما اذا كانت سورية قد حصلت على صواريخ اس 300 الروسية المتطورة المضادة للطائرات، فايران التي دفعت ثمن صفقة لشراء هذه الصواريخ لم تتسلمها حتى الآن، وهناك مماطلة روسية في هذا الصدد وتضارب في المواقف والمواعيد.
السيد ابو محمد الجولاني زعيم “جبهة النصرة” قال في حديثه الثاني لقناة “الجزيرة” الذي بثته الاربعاء، ان مهمة جبهته اسقاط النظام السوري، وليست بصدد اقامة “دولة خلافة” او “امارة اسلامية” في المناطق التي تسيطر عليها، ولن تستخدمها (اي هذه المناطق) كمنصة لشن هجمات على الغرب في الوقت الراهن” على الاقل.
اختيار هذا التوقيت لاستضافة محطة “الجزيرة” للسيد الجولاني، وتوفير المنبر له لطمأنة الغرب، وحصر اولويات جبهته في اسقاط النظام، واستبعاد اقامة امارة او خلافة اسلامية لم يكن اعتباطا، او من قبيل الصدفة، وانما في اطار تحرك شامل سياسي واعلامي وعسكري محسوب بعناية قد يرمي الى اقامة “دولة خلافة” في حلب، في موازاة دولة “الخلافة الاسلامية” التي اعلنها السيد ابو بكر البغدادي في الرقة والموصل.
الانباء القادمة من الشمال السوري تشير الى استعدادات كبرى لخوض “ام المعارك” من قبل تحالف النصرة واحرار الشام وفصائل اسلامية اخرى، تشكل “جيش الفتح” للسيطرة على ما تبقى من مناطق في حلب تخضع لسيطرة الحكومة المركزية في دمشق.
هناك غرفة عمليات في تركيا تشرف على المعركة الجديدة، مثلما اشرفت على معارك السيطرة على ادلب وجسر الشغور، وتضم خبرات عسكرية واستخبارية تمثل التحالف التركي السعودي القطري، وبدعم امريكي جاء نتيجة لخضوع واشنطن لضغوط هذا الثلاثي وتغيير سلم اولوياتها مجددا من محاربة “الدولة الاسلامية” الى تغيير النظام في دمشق.
مدينة حلب العاصمة الاقتصادية في سورية لم تنضم الى فعاليات الثورة السورية المضادة للنظام عندما انطلقت في مدينة درعا قبل اربع سنوات، وابدى معظم سكانها من طبقة التجار والبرجوازية التقليدية تحفظا واضحا في هذا الاطار، ولكن السيد رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا في حينها لعب دورا كبيرا في نقل المواجهات الى المدينة من خلال تسهيل مرور عناصر تابعة للجيش السوري الحر وفصائل المعارضة الاسلامية المتشددة الى المدينة ووضع معظم سكانها امام امر واقع جديد ومختلف، ويبدو ان ما اراده يتحقق حاليا على الارض.
الجيش السوري الحر يعيش حالة من الانقراض لمصلحة “جيش الفتح” الذي سيكون جيش الخلافة الاسلامية في حلب التي ستنشأ برعاية سعودية تركية قطرية.
كيف سيكون الرد السوري؟ من الصعب الاجابة بشكل مباشر على هذا السؤال، فمن الملاحظ ان الجيش السوري مني بنكسة كبيرة بخسارة مدينة تدمر قبل عشرة ايام لصالح “الدولة الاسلامية”، وخسارة مناجم الفوسفات وآبار الغاز فيها بالتالي التي كانت تدر حوالي 3.5 مليار دولار للخزينة السورية او 25 بالمئة منها، ويواجة صعوبات كبيرة في معارك اقليم القلمون.
***
السيد بشار الجعفري مندوب سورية في مجلس الامن قال قبل يومين ان مدينة حلب خط احمر، وسيؤدي اجتيازه الى انتقال الحرب الى دول اخرى، فماذا يعني بذلك، هل يقصد نقل الحرب الى عمق تركيا مثلا؟ ام ان هذا التهديد جزء من الحرب النفسية؟
الازمة السورية بدأت تحت عنوان تحقيق طموحات الشعب السوري في الديمقراطية، والاصلاح، والعدالة، وحقوق الانسان، وانتقلت من الاحتجاجات السلمية المدنية الى مواجهات مسلحة، وتدخلات من قوى خارجية، وها هي توشك ان تدخل مرحلة التقسيم والتفتيت الفعلي، ان لم تكن قد دخلتها فعلا.
نائب رئيس الوزراء التركي تحدث قبل ايام معدودة عن مخطط “سايكس بيكو” جديد يقسم سورية الى عشر كيانات ومصر الى كيانين، وليبيا الى اربعة، وكذلك السودان، وهذا الرجل لا ينطق عن هوى لان بلاده تعرف كل التفاصيل او معظمها لانها راس الحربة في هذا المخطط.
نحن في انتظار “ام المعارك” السورية، وربما لن نفاجأ بقيام دولة الخلافة الثانية في حلب في الاسابيع او الاشهر، وبعد ذلك بدء الصراع بين الخلافتين الشرقية والغربية، والايام بيننا.