أسامة الرنتيسي
حتى الآن؛ لم يسأل النواب عن انعكاسات الخلوة الاقتصادية المَلِكيّة التي عقدت في قصر الحسينية وحضرها عشرات الاقتصاديين والإعلاميين بمتابعة حثيثة من الملك وقد حضر معظم جلساتها، على مشروع قانون الموازنة التي بدأ مارثونها الأحد.
لا تغيير ولا تبديل في الخطابات النيابية على قانون الموازنة العامة، فسوق الخطابات مفتوح للجميع، وقليل من الكتل التي تتوحد على خطاب بعينه، برغم أن النواب يودعون قبة المجلس في الخطاب الأخير للموازنة.
من المفترض ان تنتهي الخميس الخطابات النيابية، التي أوسعت الحكومة عمومًا، شتائم من كل الأصناف، لكن يعرف الجميع ان الحكومة سوف تفوز في النهاية، “أوسعتهم شتما وفازوا بالإبل…” وقد تصل الأصوات المؤيدة لمشروع الموازنة بحدود الـ 75، فَلِمَ كل هذا الصراخ؟!.
نحن نواجه حالة أصبحت تقليدية، موازنة تقليدية، وخطابًا تقليديًا، وثقة تقليدية، لذلك يجب التوقف عن حالة التكسب الشعبي التي يستغلها بعض النواب، لأن خطاباتهم لم تعد تصل الى القواعد الانتخابية، الذين للأسف أيضًا؛ لا يتعلمون من تجاربهم، فيعيدون تجريب المجرب، مع أن المثل العربي واضح(…)، فينتخبون مرة أخرى أكثر من 75 % من الذين ننتقدهم صباح مساء.
للحقيقة والمصداقية، ومن خلال المتابعة للخطابات تحت القبة، هناك كلمات عميقة ودقيقة، واعية لأحوال الموازنة والبرامج والسياسات الاقتصادية، قدمت أفكارًا، واقتراحات مهمة، على الحكومة أن تأخذ بها، برغم أن هذه الخطابات تضيع مقابل خطابات شعبوية اتهامية، لكن على قاعدة “مقاتلة الناطور.. وعدم البحث عن العنب”.
قد يكون المحور الرئيسي في الخطابات حول الموازنة قضية الغاز الإسرائيلي، وانعكاسات ذلك على الموازنة، والإصرار الرسمي على المضي في الاتفاقية، هنا تحديدًا؛ لا أحد يستطيع أن يستوعب لِمَ كل هذا الإصرار، ولمصلحة من يعاند الإجماع الشعبي برفض الاتفاقية.
لا يمكن أن تبقى خيارات الحكومات والموازنات العامة للدولة معتمدة، فقط، على جيب المواطن والقروض الخارجية، والحصول على شهادة حسن سلوك من صندوق النقد الدُّولي، حتى نجد من يقرضنا.
نحتاج فعلًا إلى مراجعة حقيقية وجادة، لمفاصل حياتنا عمومًا، لكن الأزمة الاقتصادية هي الأكثر ضغطًا على عصب الدولة، ولا يضير الحكومة أن تعقد مؤتمرًا يشارك فيه خبراء اقتصاديون وماليون ومستثمرون مستقلون غير منضوين في مؤسسات الدولة، تستمع لهم، تناقش من خلال مطبخها الاقتصادي والمالي وجهات النظر التي يتقدمون بها، وبالضرورة لديهم خطط وافكار من خارج صندوق الحكومة، أقل قسوة من خطط الحكومة.
لا يمكن لأية دولة أن يستقيم حالها إذا بقيت قراراتها وخططها كلها معتمدة على خطة يتيمة، وعدم وجود خطط أخرى يُفترض الانتقال إليها عند الأزمات.
ولا أعتقد أن عاقلًا واحدًا قد يتجرأ فيقول إننا لا نمر بأزمات مفصلية تحتاج إلى حكمة أبناء الوطن جميعهم، من داخل “السيستم” أو من خارجه.
لن يجرؤ النواب على إسقاط قانون الموازنة، فعرفًا، على الحكومة التي تفشل في الحصول على ثقة في مشروع قانون موازنتها، أن تقدم استقالتها فورًا، ونحن نعرف الآن أن عمر الحكومة مرتبط بعمر مجلس النواب، ولن يتم الفصل بينهما بإسقاط واحد وإبقاء الآخر.
الدايم الله…