أسامة الرنتيسي
بدأتْ عجلة التحضير للانتخابات النيابية تُسخِّن مسنناتها، وبدأت وسائل إعلام متعددة تمهد الطريق لأسماء مكررة للقفز إلى الدوار الرابع لقيادة دفة الحكومة والانتخابات، ويتناسون أنها تحت قيادة الهيئة المستقلة للانتخاب.
لكن؛ عِشْقُ الأردنيين للانتخابات (لأي انتخابات) لا يُمكن إخفاؤه، بالدرجة ذاتها كما يعشقون الانتخابات يكرهون المرشحين.
مفارقة غريبة عجيبة، على دارسي علم الاجتماع والسياسة والأنثروبولوجيا الاجتماعية التوقف عندها مليًا حتى يحلّلوا علميًا دوافع هذا السلوك.
لو يُقرَّر الليلة حل البرلمان وتحديد موعد بعد ثلاثة أشهر لانتخابات جديدة، فسيتحرك الأردنيون فورًا إلى مقار المرشحين، وينقسم الجمع بين مؤيد لفلان ومعارض لعلّان، وما أن تنتهي الانتخابات حتى يصبح المرشحون جميعهم الذين حالفهم الحظ في مرمى نيران الناس عامة.
قد يكون الشعب الأردني هو الوحيد في العالم الذي يفرح، وينزل إلى الشوارع ابتهاجا إذا حُلَّ البرلمان (اي برلمان)، ويفرح أكثر إذا وُجِّهت صفعات أكثر إلى أعضاء مجلس النواب، وستكون الفرحة فرحتين إذا تم ترحيل الحكومة والنواب معا.
لأن هناك شعورًا بأن المجلس لا يمثلهم، بل يمثّل عليهم، وأنه يبحث عن مكتسبات ومزايا شخصية، ولا تهمه المصلحة العامة، وأنه قد جاء بقانون أعاد إنتاج الصوت الواحد، بغلاف القوائم، وبشبهات فيها تزوير، هكذا يُقوُّم الأردنيون مجلس النواب، للأسف.
من الناحية الشعبية، فَقَد المجلس مصداقيته في أكثر من منعطف، واكتشف الأردنيون أنه لا يحل ولا يربط، كل هذا وغيره صحيح، لكن هل في مصلحة البلاد السياسية إسقاط قيمة العمل البرلماني من أعين الأردنيين وأن لا قيمة لأصواتهم التي تذهب إلى صناديق الاقتراع؟.
اذا حُلَّ مجلس النواب، وأُسقطت عضوية أعضائه الـ 130، فإن العائدين منه يتجاوزون دائما الـ 75 % بأصواتنا نحن الناخبين، فما قيمة الحل وإعادة التدوير من دون أن نضع لبنة أساسية للحياة السياسية، والإصلاح بتغيير حقيقي بعد أن يتم إقرار قانون انتخاب أفضل من السابق يفرز الأفضل والأكفأ، ونطمح إلى قانون عصري تقدمي أكثر لا يسمح لأمّيي العمل السياسي والشعبي والرقابي الوصول إلى كراسي البرلمان.
إذا بقينا نتحدث عن النواب بالطريقة السلبية التي تزدحم بها وسائل التواصل الاجتماعي والردود الشعبية الحادة، فسنصل إلى مرحلة اليأس والكفر بالعمل البرلماني، عندها لن ينفع أي حديث عن الإصلاح السياسي الشامل.
إذا، فمربط الفرس في أي تطور تُجاه الإصلاح يرتبط عضويًا بالانتخابات البرلمانية، وقبلها قانون انتخاب يُحصِّن الإصلاح ويحافظ على مكتسبات البلاد الديمقراطية جميعها، أمّا غير ذلك فكلُّه هوامش وتفاصيل لا تعني شيئًا، والفحص الحقيقي للأحزاب والنشطاء السياسيين في صناديق الاقتراع، فالذي يهتف في الشارع ويرفع منسوب شعاراته، وفي الواقع لا يستطيع إقناع أقرب المقربين إليه لانتخابه وتكليفه تمثيلهم، يضعنا غي مواجهة فقاعات صابون ستكشف عنها الأيام.
الدايم الله…..