نكتة مؤلمة حضرت في ذهني وأنا أتابع أطنانًا من الثرثرات والتحليلات عبر الفضائيات في الـ 24 ساعة الماضية بعد اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني، وماذا سيكون الرد الإيراني وفي أي الساحات، بغداد بيروت دمشق غزة عدن، أم سيكون الرد على مقاس التوجيه الأميركي عبر رسالة السفير السويسري لطهران (ردا محدودا).
لكن قبل النكتة أريد أن أسجل ملحوظة لمصلحة سليماني على عكس ما سجلته وسائل إعلام عراقية حول نوع السيارة التي حملت نعشي سليماني والمهندس حيث كانت سيارة أميركية الصنع.
الملحوظة تتعلق بمستوى منزل سليماني الذي زاره أمس خامنئي والرئيس الإيراني لتعزية عائلته، كان منزلا متواضعا جدا لا يُعبِّر عن منزلة ثاني أكبر شخصية في إيران، فصفنت كثيرا وقلت لنفسي: هل معقول أن هؤلاء يعيشون حياة الثوار التي تُختزن في الذهن، وليس حياة الحكام والرؤساء..
نعود للنكتة؛ يقال إن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش دعا توني بلير إلى الغداء.. وبعد الغداء.. خرجا إلى الصحافيين للإدلاء بتصريح صحافي.
فسألهما أحد الصحافيين: ما هي القرارات التي اتخذتموها في أثناء الاجتماع؟
قال الرئيس بوش: قررنا أن نقتل 20 مليون عربي ودكتور أسنان واحدًا!
توقّف هنا أخي القارئ؛ ما هو السؤال الذي يدور بذهنك في هذه اللحظة؟
نعود للنكتة.. اندهش الصحافيون طبعا، ونظر بعضهم إلى بعض، والكل متلهف لمعرفة.. لِمَ طبيب أسنان واحد فقط؟ قال أحد الصحافيين للرئيس بوش: ولِمَ طبيب أسنان واحد؟
تبسّم بوش.. ثم مال إلى توني بلير، وهمس في أذنه: ألم أقل لك إن أحدًا لن يهتم بالـ 20 مليون عربي؟
انتهت النكتة.. هل ضحكتم؟
أشعر بالخجل من نفسي في هذه اللحظة.. لأنني عند قراءتي النكتة، سألت نفسي: لِمَ طبيب أسنان واحد؟
بصدق وبصراحة، ما الذي فكرتم به عند قراءتكم التصريح، وبالذات حين قال بوش: سوف نقتل 20 مليون عربي وطبيب أسنان واحدًا؟
ألم يَدُر بفكركم هذا السؤال: ولِمَ طبيب أسنان واحد؟
انشغلنا بالطبيب الواحد ونسينا الـ 20 مليونًا الذين لا يوازون بضعة أسهم في البورصة!
وهذا هو حال الكثيرين! وهذه هي سياستهم! يوجّهون أنظارهم بعيدا، وينشغلون بكافة الأمور! وينسون حالهم.
الأوضاع في العالم لا تحتمل المراهنات، وحتى في الولايات المتحدة الأميركية فإن مراكز دراسات وكبار الصحافيين والاستراتيجيين يطالبون الرئيس الأميركي ترامب بخلق رأسمالية جديدة، لمعالجة الحالة التي ورثها عن سلفه (قاتل طبيب الأسنان) ومن جاء بعده.
هناك مثل أعتقد أنه شعبي يقول: كبّرها بتكبر، وصغّرها بتصغر. ولكن المصيبة أن نُشغل أنفسنا جميعا بمعرفة اسم وجنسية طبيب الأسنان وتهمته، ولا نلتفت إلى الـ 20 مليونًا من العرب قُتلوا أو على طريق المقصلة.
الدايم الله….