أسامة الرنتيسي
أكشف لكم عن سر حصل ليلة كارثة البحر الميت حين غرق 21 طالبا في 27 اكتوبر 2018، حيث هرع (حسب لغة الدفاع المدني) معظم المسؤولين الأمنيين والرسميين إلى موقع الكارثة، لحقهم بعد ذلك رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، ولأنه شفاف جدا وحنون إلى درجة لا يحتمل هكذا حوادث، قضى نحو 10 دقائق في السيارة يبكي بحرقة ولا يقدر على الاقتراب من موقع الكارثة ما أشغل مرافقيه في متابعته حتى استطاع مغادرة السيارة والاستماع إلى آخر تطورات الكارثة.
قد لا يكون سرا، لكنه مدخل للحديث عن سلوك يجب أن نتخلص منه وإن يتوقف المسؤولون عن ممارسته، لأنه أصبح مدعاة للسخرية أكثر منه دافعا للانجاز وإتمام العمل.
أن ترى أمين عمان مثلا يرتدي زي عمال الوطن، ويقف في الشوارع الغارقة في قاع المدينة فهذا لن يضيف إلى حضوره شيئا.
وأن يشرف مدير الأمن العام مباشرة وفي ميدان عملية أمنية، أو يتابع مدير الدفاع المدني عملية إطفاء حريق فهذا لن يقدما شيئا إضافيا أيضا، بل قد يكون وجودهما عاملا معطلا لتنفيذ المهام، لأن العناصر على الأرض قد ينشغلون بإرضاء المسؤول ويرتبكون في تنفيذ المهام.
وأن نرى وزير الأشغال العامة أو البلديات أو محافظ الطفيلة وعجلون في تقرير متلفز مباشر او مسجل واقفين على أرصفة الطرق تلفح وجوههم حبات البرد والثلج المتساقط لكي يثبتوا أنهم في الميادين يعملون تحت الظروف القاسية فلن يقدم أو يؤخر ظهورهم شيئا.
لا داعي لتصوير وزير البلديات او الأشغال او أي مسؤول آخر على أطراف الشوارع او السيول، حتى يُصدّق المواطن أن المسؤول يقوم بواجبه، هذا هو الوضع الطبيعي، ويصبح الأمر مستغربًا، إذا بقيت الكاميرات تنتقل من مدينة إلى أخرى تطارد المسؤولين في غرف العمليات، وفي الشوارع، وتحت الثلج والأمطار، حتى يكون الموقف أكثر مصداقية.
ما علينا.. برغم الملحوظات كلها، التي تناثرت في البلاد خلال ساعات المنخفض الفيضاني في العاصمة عمان، والأضرار التي لحقت بتجار في وسط البلد والدوار السابع، إلّا أن الضمير المهني والأخلاقي يفرض علينا أن نعترف أن تطورًا ملموسًا بدأ يظهر للمواطن الأردني في كيفية إدارة الأزمات في البلاد، وبدأت الأمور تسير بشكل طبيعي.
أصبحت الأحوال الجوية حالة طبيعية يتعايش معها الأردنيون، ولا حاجة للهلع، وحالات الطوارئ القصوى، ولا حتى مشاركة القوات المسلحة في مهمات مدنية.
تستطيع الحكومة وأجهزتها، والأطراف المعنية بإدارة الأزمات الطبيعية في البلاد أن تقوم بواجباتها خير قيام، من دون الفزعة، وحالة الطوارئ، ولا حتى حالة الطوارئ التي يقوم بها موظفو التلفزيون الأردني والقنوات الأخرى، فليست حياة الأردنيين فقط مرتبطة بأن تمضي العاصفة المطرية على خير، لقد جربنا الطوارئ أكثر من مرة ونجحنا.
نعترف أن الاستعدادات حسب الإمكانات أصبحت جيدة الآن، وتستطيع أن تواجه أية عاصفة جوية، وعلى ما يبدو فإن تغيّرا مناخيًا يشهده العالم، وأصبحت المنخفضات الجوية في بلادنا أكثر من المعتاد، وانخفض السلوك السلبي الذي كان يظهر في تصرفات بعض الأردنيين، والمظاهر الاستهلاكية غير الطبيعية.
علينا أن نُطوّر أساليب عملنا وحياتنا، بحيث لا تتعطل الحياة وعجلة الانتاج مع كل منخفض مطري عنيف او ثلوج في الفترة المقبلة، في الأقل هكذا تعيش الدول الأخرى التي تستقبل منخفضات جوية أضخم بكثير مما يصل إلى بلادنا، ولا نسمع عن تعطل الحياة، وضرورة أن يبقى المواطنون سجناء في منازلهم.
الدايم الله…..