أسامة الرنتيسي
في الـ 48 ساعة الماضية تابعت ثلاث محاضرات نوعية عميقة حول صفقة القرن وتداعياتها، الأولى للقيادي والإعلامي الفلسطيني نبيل عمرو في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة، والثانية لرجل الدولة بامتياز الاستراتيجي طاهر المصري في مركز القدس للدراسات، والثالثة للمختَلِف العميق الرئيس السابق عبدالروؤف الروابدة في نقابة الصحفيين.
الطرح الغاضب من جمهور المحاضرات والندوات يركز على ضرورة حل السلطة الفلسطينية، ودعوة إسرائيل لإعادة احتلال المحتل من الضفة الفلسطينية، والعودة إلى خيار الكفاح المسلح.
طبعا؛ في ظل مؤامرات تصفوية للقضية الفلسطينية، لا ينتظر أن يبقى المزاج العام الفلسطيني والعربي مقتنعا بأن يحصل على شيء من أبشع وآخر احتلال في العالم.
الاحتلال الإسرائيلي بشع في كل حالاته وممارساته، وهذه البشاعة لا يختلف عليها اثنان، لكن أن تصل البشاعة إلى محاولة تجويع الشعب الفلسطيني من خلال حجز عائدات الضرائب الفلسطينية، وعدم دفع مستحقات السلطة الوطنية الفلسطينية المالية، التي من خلالها تدفع رواتب العاملين فيها، فهذا يعبر بوضوح عن السلوك الاحتلالي البغيض الذي يتحكم فيما لا يملك؛
لأن هذه الأموال هي حق للشعب الفلسطيني وليست هبة أو تبرعا من الاحتلال، وهي حق من حقوق الشعب الفلسطيني التي يواصل الاحتلال سلبها عنوة، ويحاول استغلالها بشكل دائم لفرض إملاءاته على السلطة لتمرير سياساته القمعية بحق الشعب الفلسطيني، وتضييق الخناق على السلطة.
هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها إسرائيل ابتزاز السلطة الفلسطينية، حيث عملت حكومة الاحتلال المتطرفة على حجز مستحقات الضرائب العائدة للسلطة عند توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة، وكذلك عند انطلاق حملة مقاطعة منتجات المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية، مع أن إسرائيل واهمة إن اعتقدت أن الشعب الفلسطيني سيخضح لضغوطها هذه من أجل ثنيه عن المطالبة بحقوقة المشروعة، وسعيه لنيل حريته وتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
تنظر إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية نظرة رب العمل، الذي عليه أن يلتزم بما تمليه عليه، وتطالبه بأن يقوم مقامها في بعض الأعمال الاحتلالية، لهذا تخرج أصوات فلسطينية صادقة في أحيان كثيرة تطالب بحل السلطة حتى تتحمل إسرائيل مسؤوليتها كاملة عن كلفة الاحتلال، وفي الأيام الماضية وبعد صفقة القرن المشؤومة علت أصوات كثيرة تطالب بحل السلطة.
التكتيكات والمناورات من قبل مسؤولين فلسطينيين حول إمكان حل السلطة كأحد الخيارات التي يمكن التلويح بها في مواجهة مؤامرة صفقة القرن، والانحياز الأمريكي لمشروع نتنياهو، لا تضر مصالح الشعب الفلسطيني، حتى لو لم تأخذها إسرائيل على محمل الجد، لكنها في الوقت ذاته تؤشر إلى أن لدى الفلسطينيين خيارات أخرى، وهذا يكفي.
بصراحة؛ لا يُعقل أن يذهب الفلسطينيون إلى حل أنفسهم، أي حل السلطة الفلسطينية؛ لأن السلطة بأجهزتها البسيطة تقود حياة الفلسطينيين وتنظمها، في التعليم والصحة ومعظم مناحي الحياة اليومية، وفي القوانين عموما فهي بكل الأحوال شكل من أشكال الدولة المؤقتة، ومؤسسات السلطة تقوم مقام الدولة الفلسطينية المنتظرة حتى لو تأخرت طويلا.
والسلطة الفلسطينية (العضو المراقب في الأمم المتحدة) مسؤولة عن حياة 200 ألف موظف من أبناء الشعب الفلسطيني، ومسؤولة في الأقل ماليا عن حياة الفلسطينيين في قطاع غزة، فهل من مصلحة هؤلاء ان يتركوا للاحتلال كي يتحكم بهم وفي مصيرهم ومصير عائلاتهم.
إسرائيل المستفيد الوحيد من حل السلطة الفلسطينية، وشطب ما بناه الفلسطينيون على تواضعه شكل أقرب للدولة ومؤسساتها.
الدايم الله…