بقلم - منى بوسمرة
بعد عام على زيارة الرئيس الصيني للإمارات، التي توجّت بسلسلة من اتفاقيات التعاون بين البلدين نقلت العلاقات إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية، يمكن بكل سهولة رصد الحرص الشديد من قيادة البلدين لتحقيق أهداف تلك الشراكة عبر آلية لجنة التعاون بين الحكومتين، خاصة أن البلدين يتمتعان بإمكانات ضخمة، تنفتح على آفاق مستقبلية واعدة.
الواضح أن أهم ما يميز هذه العلاقة التي بدأت في اليوم التالي لقيام دولة الاتحاد، هو الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ما سهّل تحقيق قفزات في تنمية تلك العلاقات لتصل إلى ما وصلت إليه، مدفوعة أيضاً بالتزام رسمي وشخصي من قيادتي البلدين للانتقال إلى مستويات أعلى من الشراكة.
ما يجمع الإمارات والصين ليس المصالح والمنافع المتبادلة وتوسيع الاستثمارت فقط، بل إن الذي أسس للانطلاق نحو ذلك هو القيم والمبادئ المشتركة التي تؤمن بها قيادتا وشعبا البلدين في تعزيز السلام والأمن العالميين وتسوية المنازعات بالطرق السلمية والحوار والتعايش وقبول الآخر والتسامح ومساندة الشعوب المنكوبة، وتوافق الرؤى في القضايا العالمية الرئيسة، وتشابه السياسات الإنمائية، وشاهد ذلك كثير في سياسات البلدين.
تجليات تلك العلاقة نراها اليوم في زيارة الشيخ محمد بن زايد للصين، وهي الثانية في غضون خمسة أعوام، وبينهما زيارة للشيخ محمد بن راشد، إضافة إلى زيارة الرئيس الصيني للإمارات العام الماضي، ما يعكس الرغبة المتنامية نحو مرحلة جديدة من العلاقات، لا تستثني مجالاً من التعاون السياسي والأمني إلى الاستثماري والتجاري والثقافي والتقني والفضائي وغير ذلك كثير.
لا نبالغ إذا قلنا اليوم إن العلاقة بين البلدين هي علاقات فوق العادة وأكثر من المتوقع، بل هي علاقة تسير على طريق من حرير، تحميها إرادة سياسية تعمل بجد على تنمية جوهرية ومستدامة، تتجاوز العقبات وتتغلب على التحديات في سبيل تحقيق الأهداف التي تخدم مصالح الطرفين.
بلغة الأرقام فإن الصين هي ثاني شريك تجاري للإمارات بتبادل تجاري يتجاوز 60 مليار دولار، إلى جانب نحو 10 مليارات دولار استثمارات صينية في الإمارات تديرها 4200 شركة صينية، كما أن الإمارات منفذ 605% من صادرات الصين للشرق الأوسط، ما يجعل الإمارات لؤلؤةً مشعةً على مبادرة الحزام والطريق الصينية، كما وصفها وزير الخارجية الصيني بالأمس، خاصة أنها أول دولة من بين 125 دولة وُضعت على المبادرة، تحصل على إعفاء متبادل للتأشيرة لجواز السفر العادي مع الصين عام 2017.
وفي الجانب السياسي، فمن اللافت ثبات المواقف الصينية من قضايا المنطقة ووقوفها إلى جانب الحق، وهي التي تدعو باستمرار، متوافقة مع مواقف الإمارات، نحو البحث عن الحلول السلمية والتسويات التي تعزز أمن واستقرار المنطقة، كما أن مواقفها ترفض منطق الهيمنة أو اللجوء للحلول العسكرية في تسوية النزاعات، وهو ما قاد إلى تنسيق دائم وكامل تجاه معظم القضايا التي تهمّ البلدين.
نحن اليوم أمام حالة مثالية من العلاقات لبلدين يمتلكان عناصر قوة متكاملة يجعل علاقتهما عضوية، فالصين تمتلك اقتصاداً قوياً، وقدرةً إنتاجية هائلة، والإمارات لديها مزايا الموقع والبنية التحتية المتطورة والاقتصاد النشط والاستقرار، ما يجعل البلدين يشكّلان عجلتي الرحى على طريق الحرير، والسير نحو تعميق علاقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، التي تشكّل زيارة الشيخ محمد بن زايد التعبير الأوضح عن الرغبة في التطبيق الواقعي لتصميم الدولتين على ترجمة التوافق الثنائي واقعاً، لا يستهدف الزمن الحالي بل يرسم طريق المستقبل أيضاً.