بقلم - سليمان جودة
حل الصادق المهدى الذى اشتهر بأنه حكيم السودان، فكتب فيه الدكتور عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السودانى، يقول: كان دالة للديمقراطية، ونموذجاً للقيادة الراشدة، وصفحة من الحلم والاطمئنان، وبرحيله انطفأ قنديل من الوعى يستغرق إشعاله آلاف السنين من عمر الشعوب!
أما محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة فى السودان، فقال فيه: انطفأ برحيله سراج الحكمة والوعى بقضايا وهموم هذا البلد!
والذين قرأوا جانباً من تاريخه السياسى الطويل، يعرفون أنه كان فى الحكم رئيس وزراء منتخباً يوم ٣٠ يونيو ١٩٨٩، ويعرفون أن انقلاباً للإسلاميين بقيادة حسن العرابى وقع فى ذلك اليوم من ذلك العام، وأنهم استمروا فى حكم البلاد ثلاثين سنة تحت واجهة اسمها عمر البشير إلى أن سقطوا السنة الماضية!
انقلبوا على رئيس الوزراء المنتخب وحكموا ثلاثة عقود من الزمان، فلما رحلوا كان السودان الموحد قد انقسم بلدين، وكانت إسرائيل تقول إنها ستعطى الخرطوم قمحاً بخمسة ملايين دولار، وكانت البلاد موضوعة فى قائمة الإرهاب أمريكياً، ولا تستطيع مغادرتها إلا بثمن فادح!
فماذا لو دام حكم الصادق المهدى.. وماذا لو لم ينقلبوا عليه؟!
إنك تستطيع أن تتوقف فى حياته عند الكثير من المحطات، ولن تكون أول محطة أن أجداده الأوائل هم الذين أنشأوا مدينة أم درمان التى احتضن ترابها جسده قبل أيام، ولا آخر المحطات أن جده الأكبر هو الذى أسس الدعوة المهدية الشهيرة التى قاومت الإنجليز حتى الاستقلال!
تستطيع أن تتوقف أمام شىء من هذا، وتستطيع أيضاً أن تتوقف أمام زعامته التاريخية لحزب الأمة الذى ما دخل انتخابات إلا اكتسحها دون منافس!.. ولكن ما يجب أن تتوقف أمامه أكثر أن هذه العقلية الكبيرة، التى عاش الرجل يحملها فى رأسه، كانت حصيلة التعليم الراقى الذى تلقاه.. فلقد تخرج فى كلية ڤيكتوريا فى الإسكندرية التى تخرج فيها الكثيرون من النوابغ وأصحاب العقول!
وقد غادرها ذات يوم ليدرس فى جامعة أوكسفورد، أعرق جامعات بريطانيا، التى حصل منها على الماجستير فى الاقتصاد!.. وهذه جامعة لا يتخرج فيها أحد، إلا ويكون علامة من العلامات فى بلاده وخارجها.. ولو لخصنا تاريخه لقلنا إنه رجل تعلم كما يتعين أن يكون التعليم، وإنه تمنى لو استطاع توظيف تعليمه فى خدمة بلده، لولا أن انقلاب الإسلاميين قد بدد المسيرة وأجهض التجربة!