بقلم : سليمان جودة
عندما فاز الرئيس السادات بجائزة نوبل للسلام، لم يشأ أن يذهب لتسلّمها بنفسه وأناب عنه المهندس سيد مرعى، وكان عدم ذهابه نوعًا من الاعتراض على أن يشاركه فيها مناحم بيجين، مع ما هو معروف عنه من عنف وقتل على مدى تاريخه!
ولو حصل عليها السادات وحده فربما كان قد رحب بالذهاب، لأنه كان يستحقها بمفرده بالتأكيد، ولأنه كان هو الذى آمن مبكرًا بالسلام عن يقين فيه، وكان الدليل على ذلك أنه طلب أن يكتبوا على قبره ما يشير إلى إيمانه بالسلام طول حياته!
وقد كانت لجنة نوبل النرويجية مدعوة بعد تجربتها مع السادات، إلى أن تدقق فى اختيار الذين تراهم يستحقون جائزتها.. فأنت لا يمكن أن تضع بطل الحرب والسلام فى سلة واحدة مع رجل مثل بيجين، الذى عاش بعدها يقول ويفعل ما يدل على أنه ليس على اقتناع كامل بالسلام كقيمة عالية بين الشعوب!
ولأن اللجنة لم تراجع نفسها وقتها، فإنها وقعت فى مشكلة مع سان سو تشى، رئيسة ميانمار السابقة، التى حصلت على الجائزة، ثم وقفت ساكتة بينما جيش بلادها يطارد الأقلية المسلمة فلا تجد ملجأً سوى الهرب إلى الحدود مع بنجلاديش، حيث تعيش الآن فى مخيمات!
وما كادت لجنة الجائزة تفيق من حكاية رئيسة ميانمار، حتى وجدت نفسها فى مواجهة مع حكاية أخرى أكثر مأساوية، بعد ذهاب جائزتها إلى آبى أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا!
لقد حصل على الجائزة فى أكتوبر قبل الماضى، ولكنه راح يتصرف بعدها بما ينطق بأنه آخر واحد يمكن أن يحصل على نوبل فى السلام.. فهو مرة يجد نفسه متهمًا بارتكاب جرائم حرب فى إقليم تيجراى الإثيوبى، وهو تارةً أخرى يتعنت فى قضية سد النهضة مع مصر والسودان، فينتهج من السياسات ما من شأنه تهديد الأمن فى المنطقة كلها وإشعال التوتر مع البلدين، رغم أن لهما فى ماء النهر الخالد مثل ما لإثيوبيا بالتمام!
لابد أن لجنة نوبل للسلام فى النرويج تجد من الحرج هذه الأيام مع رئيس الوزراء الإثيوبى، ما لم تجده مع أى فائز من قبل، ولابد أيضًا أنها نادمة، ولكنها مدعوة إلى ترجمة ندمها إلى شىء عملى على الأرض، يفهم منه آبى أحمد وغيره أن جائزة السلام لا تذهب إلا لمَنْ يحفظ معناها!.